زوراق عسكرية لخفر السواحل التابعة للحكومة اليمنية الشرعية تنتشر في البحر الأحمر (وكالة سبأ)
مع حال التصعيد الحوثي في البحر الأحمر تتوالى التحذيرات الاقليمية والدولية من تبعات هذه الممارسات وأبعادها التي قد تسمح بانزلاق المنطقة إلى دوامة صراع تصعب السيطرة عليه.
وفي قراءة لما آلت إليه الأحداث في المنطقة، حذرت السعودية من الأحداث الجارية في البحر الأحمر والتبعات المترتبة عليها، ما قد يخرجها عن نطاق السيطرة ويؤدي إلى تصعيد الصراع في المنطقة.
وجهة نظر السعودية، القوة الإقليمية المؤثرة، جاءت على لسان وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان الذي قال في مقابلة مع محطة “سي إن إن” الأميركية “إننا قلقون للغاية لأننا نمر بوقت صعب وخطير للغاية في المنطقة، ولهذا السبب ندعو إلى وقف التصعيد”.
التهدئة أولاً
وإزاء التصعيد الذي تشهده المنطقة كشف الوزير عن رؤية بلاده بقوله إن حكومته “تؤمن بحرية الملاحة وتريد تهدئة التوترات في المنطقة”.
وأضاف “نحن بالطبع نؤمن بشدة بحرية الملاحة وهذا شيء يجب حمايته، لكننا بحاجة أيضا إلى حماية أمن واستقرار المنطقة لذلك نحن نركز بشدة على تهدئة الوضع قدر المستطاع”.
وتشن الولايات المتحدة منذ أيام ضربات على أهداف للحوثيين في اليمن، وأعادت في الأسبوع الماضي جماعة الحوثي إلى قائمة الجماعات الإرهابية.
جدلية القرار والجدوى
وخلال ثلاث سنوات صنفت الولايات المتحدة الأميركية جماعة الحوثي ضمن لائحة الإرهاب ثم رفعتها عنها خلال مدة قياسية، ما اعتبر أنه جدلية تأتي في سياق أوراق الصراع السياسي بين الرئيس الجمهوري، دونالد ترامب، وخلفه الديمقراطي، جو بايدن، لارتباطه بمصالح الولايات المتحدة بمعزل عن دورها في إطالة أمد الصراع في اليمن.
وفقاً لذلك يبرز السؤال عن انعكاسات هذا القرار على قدرات الجماعة ومدى تمكنه من كبح جماحها مالياً وسياسياً وفقاً للأسباب التي أعلن بموجبها ومنها هجماتها الأخيرة على سفن التجارة العالمية المارة في المياه الدولية بالبحر الأحمر في إطار التصعيد الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط منذ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ومخاطر جر الصراع على منطقة البحر الأحمر وباب المندب الحيوية، ومساعي فرضت سيطرتها على الملاحة البحرية الدولية هناك.
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية في بيان إعادة تصنيف الحوثيين في اليمن “جماعة إرهابية عالمية”، ضمن قرار يسري بعد 30 يوماً من الآن. وذكر البيان أنه خلال الـ 30 يوماً قبل نفاذ القرار “ستجري الحكومة الأميركية تواصلاً واسع النطاق مع الأطراف المعنية ومقدمي المساعدات والشركاء المهمين لتسهيل المساعدة الإنسانية والاستيراد التجاري للسلع الضرورية في اليمن”.
اليسير من التضييق
يقول المحلل السياسي ثابت الاحمدي إن اليمنيين والاقليم والعالم لا يعولون كثيراً على أية دولة أخرى في اللعب بإيجابية متناهية مع القضية اليمنية إلا أن تكون المملكة العربية السعودية فقط لا غير.
والسبب من وجهة نظره أن كل الدول الأخرى تتعاطى مع الشأن اليمني من منظور مصالحها الخاصة، لا مصالح الشعب اليمني الذي يدفع من دمه وجهده في سبيل دفاعه عن المنطقة والعالم ولطالما تقاطعت مصالح الوطن مع مصالح هذه الدول، وخاصة من اللاعبين الكبار الذين يمارسون سياسة الكيل بمكيالين.
كل ما يتوقعه من تبعات القرار يكمن في احتمالية أن “تضيق الحلقة قليلا على الحوثي، لا أكثر، لا كما يتوقع البعض”. أما ولماذا قليلا؟ فالسبب بحسب الأحمدي أن “الجماعة الحوثية تتعامل مع كل من عداها من اليمنيين وغير اليمنيين كعصابة لا أكثر، لا يهمها أمر البلاد ولا يهمها غير مصالحها ومصالح إيران”.
شهر… مخرج طوارئ
في مضمون القرار فإن الهدف الأميركي الظاهر على الأقل، تجميد مصالح الحوثيين والعمل على الحد من قدراتهم العسكرية والاقتصادية وهو ما توقعه وزير الخارجية اليمني، أحمد بن مبارك، في حديث سابق أول من أمس الجمعة مع “اندبندنت عربية”.
إلا أن الأحمدي يرى أن “الأميركيين حتى الآن ليسوا جادين في بتر أذرع الحوثي في اليمن، والدليل صيغة القرار الأخير الذي لن يبدأ تطبيقه إلا بعد شهر كامل وقد لا يتم، بمعنى أنهم وضعوا مخرج طوارئ مصمم مسبقا لأي تفاوض من قبل داعمي الحوثي، ممثلاً بالإيرانيين”.
ولهذا من “الممكن أن يتم إلغاء هذا القرار علما أن الذي أدخلهم مؤخرا في قائمة الإرهاب، هو نفسه الذي شطبهم من قبل”.
مصالحنا فقط
التصنيف الأميركي إياه لم يكن وفقا لمراقبين مرتبطاً في المرتين بالصراع في اليمن وانعكاساته الصعبة على ملايين الناس وقصف المليشيا المستمر مدن الداخل اليمني والجوار الخليجي، ولكنه بحسب الباحث الأحمدي يرتبط “بتهديد مصالح واشنطن والغرب في البحر الأحمر”.
حيث كانت المرة الأولى في يناير (كانون الثاني) 2021، “بعد استهدافهم سفنا حربية أميركية، قبل أن يتم رفعهم من القائمة عقب مجيء إدارة بايدن ليتم إعادتهم هذه المرة إلى القائمة لنفس الأسباب السابقة”.
ويضيف “تدليلاً على ذلك أن إدارة الرئيس بايدن أكدت أن هذا القرار يمكن إلغاؤه في حال أوقف الحوثيون هجماتهم على الملاحة في البحر الأحمر، أي أنه لم يتطرق للسلوك الحوثي المدمر للجماعة الحوثية على اليمن وجيرانها”.
القليل من الضيق
وفيما تدرج اللائحة قادة الجماعة من التحرك دولياً ومصادرة الأموال، لا يتوقع الأحمدي أن تحد العقوبات ولكن قد تضيق الحلقة على الحوثي قليلا لا أكثر، لا كما يتوقع البعض. والسبب أن الجماعة الحوثية “تتعامل مع كل من سواها من اليمنيين وغيرهم كعصابة لا أكثر، ولا يهمها أمر البلاد ولا أمر اليمنيين ومصيرهم في شيء، ولا يهمها سوى مصالحها.
بحسب مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة المالية الأميركية، فالهدف من هذا التصنيف، هو “فصل الجماعات المتطرفة عن مصادر تمويلها التي تستخدمها لمهاجمة أو خطف السفن في ممرات الشحن الحيوية في البحر الأحمر”.
في حين أكدت الخارجية الأميركية أن التصنيف الحوثيين منظمة إرهابية عالمية “سيحد من تمويلهم”. لافتة إلى أن أنهم “عززوا قدرتهم بعد شطبهم من قائمة الإرهاب في المرة الأولى”، كما تعهدت بأن واشنطن “ستفرض عقوبات على كل من يدعمهم”. إذ يحول إدراجهم في قائمة المنظمات الإرهابية دون وصولهم إلى النظام المالي العالمي، فضلاً عن عقوبات أخرى.
الانعكاسات
وعقب التصنيف الأخير برز التساؤل المثير عن تأثيراته في الجماعة المسلحة التي تفرض مشروعها السياسي وفقاً لفكرة “الحق الإلهي في الحكم” من الجوانب كافة، خصوصاً وهي تسيطر اليوم على ترسانة مالية وتجبي إيرادات ضخمة من العاصمة والمحافظات الأخرى ذات الكثافة السكانية والمكانة الاقتصادية الكبرى.
مقارنة بالقرار السابق “الملغى” فالعقوبات التي يفرضها التصنيف الأخير “أقل صرامة” والسبب وفقاً لما ذكره المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر كي “يسمح للمساعدات التي توجه للشعب اليمني من تجنب أية مخالفات قانونية”.
يفيد موقع مكتب مراقبة الأصول الأجنبية أن التصنيف الذي سيدخل حيز التنفيذ في 16 فبراير (شباط) 2024، يشمل عقوبات مثل “حظر المعاملات التي تتم بين مواطنين أميركيين أو أشخاص داخل الولايات المتحدة، وجماعة أنصار الله الحوثيين”.
وسيمكن هذا الحظر من منع وصول عناصر الجماعة إلى النظام المالي الأميركي كما سيمكن من متابعة مصادر التمويل ما يساعد على وقف تدفق الموارد التي توفرها شبكات الدعم.
وسبق واصدرت وزارة الخزانة الأميركية تصاريح تسمح بمعاملات معينة تتعلق بالحوثيين وسلطتهم، بما في ذلك المعاملات المتعلقة بشراء السلع الزراعية والأدوية والأجهزة الطبية والاتصالات والتحويلات الشخصية.
كذلك أُجيزت المعاملات مع الحوثيين فيما يتعلق بعمليات الموانئ والمطارات وكذلك المنتجات النفطية المكررة في اليمن.
للبقاء في المنطقة
ثمة مسألة أخرى يقول الباحث الأحمدي أنها أكثر فاعلية من القرار الأميركي وهي أن “الحوثي إرهابي في نظر اليمنيين وحكومتهم الشرعية (سبق وصنفته الحكومة المعترف بها دولياً كمنظمة إرهابية)، سواء أدرجته واشنطن في اللائحة أم رفعته، ويستمد إرهابه من نظريته السياسية الدينية التي ترى أن له الحق الإلهي والحصري الوحيد في حكم اليمنيين والعالم الإسلامي”.
يذهب إلى أن الجماعة التي تسيطر على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات الأخرى تمثل طرفاً رئيساً في أبعاد الصراع الذي “يراد له أن يبقى في هذه المنطقة لأسباب يطول شرحها خصوصاً ونحن نعرف أن الأذرع الإيرانية كالحوثي صناعة أمريكية ــ بريطانية”.
ووفقاً لهذا لا يتوقع أن “يتم التنازل عنه سريعا على الأقل خلال المدى المنظور لأنه لم يستوف بعد الغرض السياسي من تأسيسه ورعايته وفي مقدمها ابتزاز بعض دول الجوار وغيرها”.
الرد بالمزيد… ولماذا الشهر؟
تأجيل فرض القيود والعقوبات المرتبطة بالتصنيف إلى ما بعد شهر أثار الجدل كونه من وجهة نظر البعض يمنح المليشيا فرصة لترتيب أورقاها عسكرياً واقتصادياً.
في توضيحات لأسباب مهلة الشهر يقول وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن، إن قرار “التأجيل يهدف إلى ضمان الحد الأدنى من عدم تأثر تدفق المساعدات والسلع التجارية إلى المدنيين اليمنيين”.
وكشف بلينكن أنه “يمكن التراجع عن القرار إذا أنهى الحوثيون هجومهم على حركة المرور البحرية”، غير أن الحوثيين ردوا في نفس اليوم، الأربعاء الماضي، باقول “أنهم لن يوقفوا هجماتهم” بل وتوعدوا بشن المزيد من الهجمات بحسب الناطق الرسمي للجماعة محمد عبدالسلام.
في حين وصف “المجلس السياسي الأعلى” للحوثيين، القرار بأنه “لم يأت إلا خدمة لإسرائيل حتى تستمر في قتل أبناء الشعب الفلسطيني دون أي رد أو مضايقة”.
قرار هادئ وصحوة متأخرة
وبينما يبدو القرار فرصة لواشنطن لجس نبض استجابة الحوثي لفحواه، يقلل مراقبون من توقعاتهم إزاء تأثيراته على المليشيا أو التعاطي معه بإيجابية والجنوح للسلم والتهدئة.
يصف الباحث السياسي، عبدالله إسماعيل القرار بأنه “صحوة متأخرة وناقصة من الإدارة الأميركية”.
وأضاف أن “المجتمع الدولي ينظر إلى الحالة اليمنية بشكل خارج سرديتها الحقيقية، متغافلا عما تأكد له من العبث الإيراني في اليمن بواسطة جماعة الحوثي داخليا او عبر الإضرار بممرات الملاحة الدولية”.
ويرى أنه “كان لابد أن يكون هناك موقف واضح من قبل الإدارة الأمريكية في دعم الحكومة الشرعية، فهي المعنية بحماية شواطئها وتأمين الملاحة في واحد من أهم الممرات الدولية”.
ويتابع “عمليات الحوثي ليست وليدة حرب إسرائيل على غزة بل سبقتها، وستستمر بعد انتهاءها واليوم أصبح مضيق باب المندب ممراً خطراً على الملاحة الدولية في تصدير لكارثية الحوثي التي أصابت اليمنيين بواحدة من أكثر الكوارث الإنسانية ليتحول الان الى خطر إقليمي ودولي”.
ويختتم “على العالم أن يدرك حقيقة أن الحوثي مشروعا إيرانيا إرهابيا هدفه تدمير المنطقة والاقليم”.
أموال الطفل المدلل
في ما يتعلق بالجانب الاقتصادي الذي تديره الجماعة عبر شبكاتها المالية المنتشرة داخل البلاد وخارجها، يصف المحلل الاقتصادي عبدالواحد العوبلي التصنيف بشكله الحالي بـ “عتاب أميركي رقيق مع مليشيات الحوثي الذي تعامل معها كطفل مدلل لا يجب حرمانه من كل شيء”.
ويرى أن القرار الذي لن يطبق الا بعد ثلاثين يوماً “يعطي الميليشيات وقت جيد لتدبر امورها وإيجاد حلول وقنوات مصرفية بديلة لإدارة شؤونها المالية، فالثلاثين يوماً جيدة لفعل كل هذا”.
يوضح “لو أن القرار كان بنفس صيغة القرار السابق الصادر في العام 2021 فكان بإمكانه تعطيل حيازة ونقل الأموال لكل أفراد الجماعة وشبكاتهم المنتشرة في عدد من الدول التي يفترض أن توقف تسهيل تحرم الأموال الحوثية”.
يضيف: “مضمون القرار وروحه تتضمن منع التعاطي القطعي مع الشبكات والأموال الحوثية الضخمة التي يجبيها بمليارات الدولارات من المواطنين ومقدراتهم وحقوقهم عبر أي دولة كانت أو ستصبح تلك الدول في طائلة العقوبات الأميركية دون ذكر بلدان معينة نشطت مؤخراً في تسهيل تحرك الأموال الحوثية كما سهلت نشاطهم السياسي لأهداف غير بريئة”.
عما تغير بالنسبة للتعاطي الدولي مع المؤسسات الرسمية المالية الواقعة تحت سيطرة الجماعة، يشير إلى أن التصنيف سيجعل مجرد حيازة ونقل الأموال عبر هذه المؤسسات والوزارات التي تحت سيطرة الحوثي مجرّمة ومقيدة ولم تعد كما كانت في السابق عندما سمح بالتعامل معها باعتبارها سلطة أمر واقع، وستصبح تحركاته المالية وحتى السياسية تحت المجهر الدولي وهذا سيحد من قدراتها خصوصاً في عمليات غسيل الأموال ووسائل نهبها وتهريبها للخارج وبالتالي سيتسبب ذلك في إعاقة لنشاط الحوثي الاقتصادي إلى حد كبير في حال جرى متابعة تلك العملية بشكل مصرفي أمني جاد بعيداً عن بورصة المصالح السياسة وحساباتها”.
بالمقابل، يتوقع العوبلي أن الحوثي “عبر شبكاته الناعمة المنتشرة حول العالم ستمارس ضغوطاً ترتدي رداء الحقوق والإنسانية كما حدث في العام 2021 عندما تحركوا حينها بواسطة المنظمات والناشطين الذين يعملون لحساب المليشيا وسيشكلوا لوبيات تتحرك في إطارات معينة منها حقوقي وسياسي وإعلامي وغيرها لوقف القرار وإلغائه وهذا ما سنتابعه في قادم الأيام”.