السعودية تعود إلى لبنان بثقة محسوبة: لا دعم بلا دولة

1

 

 

تريد الرياض أن تكون بيروت جزءاً من منظومة استقرار أوسع، لا خاصرة رخوة في المنطقة

 

سوسن مهنا صحافية

 

 

 

 

الإعلان السعودي الرسمي عن نية تعزيز العلاقات التجارية، جاء بعد “إثبات فعالية” الأجهزة اللبنانية في مكافحة تهريب المخدرات (صورة مصممة عبر الذكاء الاصطناعي)

 

ملخص

اللبناني، المرهق من الانهيار، يقرأ العودة السعودية على مستويين متوازيين، من جهة، كإشارة دعم معنوي تمنحه شعوراً بأن العالم لا يزال مهتماً ببلد خرج من دائرة الضوء أكثر مما يحتمل، ومن جهة ثانية، كفرصة اقتصادية قد تعيد تشغيل دورة الحياة، من الاستثمار إلى التوظيف مروراً بفتح السوق السعودية أمام المنتجات والقطاعات اللبنانية.

 

في زيارة جرى التحضير لها منذ أسابيع، وصل الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان آل سعود إلى لبنان على رأس وفد ضم شخصيات اقتصادية وسياسية رفيعة، وكذلك اللجنة الفنية السعودية المتخصصة بملف رفع الحظر عن الصادرات اللبنانية.

 

وأتت هذه الزيارة بعد ما نشرته وكالة “رويترز” نقلاً عن مسؤول سعودي رفيع قبل أيام، بأن السعودية تخطط قريباً لتعزيز العلاقات التجارية مع لبنان، وأن وفداً من المملكة سيزور بيروت لإجراء مناقشات لإزالة العقبات التي تعيق الصادرات اللبنانية إلى السعودية.

 

وقال رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، “آن الأوان ونحن بانتظار المملكة، لا سيما… أكدت مراراً أن حماية لبنان تأتي من محيطنا العربي”، فيما علق رئيس الحكومة نواف سلام، “الشكر، كل الشكر للمملكة العربية السعودية، وقيادتها الحريصة دوماً على استقرار لبنان وازدهاره، على مبادرتها الطيبة اليوم تجاهه بإعلان الاستعداد لاتخاذ خطوات وشيكة لتعزيز العلاقات التجارية بين بلدينا ولرفع العوائق أمام الصادرات اللبنانية”.

 

زيارة محملة بالرسائل

الإعلام المحلي تلقف خبر الزيارة بسرعة، وتحولت إلى المادة الأكثر تداولاً خلال ساعات في لبنان. وتعددت القراءات التحليلية، بين من اعتبرها “عودة” للسعودية بعد سنوات من الفتور، ومن رأى فيها خطوة محسوبة تضع الاقتصاد في الواجهة وتترك السياسة في خلفية مدروسة. وفي الشارع، بدا واضحاً أن وصول يزيد بن فرحان أعاد الحيوية إلى النقاش العام، بعدما شعر اللبنانيون بأن بلدهم يعود إلى دائرة الاهتمام العربي، ولو عبر زيارة محملة بالرسائل أكثر مما تحمل من وعود.

 

وفي الحقيقة تحمل هذه الزيارة بُعدين متوازيين، الأول اقتصادي، يتولاه أعضاء الوفد المشاركون في المؤتمر الاقتصادي المنعقد اليوم “بيروت1″، والثاني سياسي يتصدره الأمير يزيد بن فرحان شخصياً، بما يعكس حجم الاهتمام السعودي بالمرحلة اللبنانية الراهنة.

 

p1_(19).jpg

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مستقبلاً الرئيس اللبناني جوزاف عون، مارس الماضي (المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية اللبنانية)

ومن بعبدا بدأت اللقاءات المغلقة، حيث عُقد اجتماع مطول بعيداً من عدسات الإعلام، طُرحت خلاله سلسلة من الملفات الحساسة. وشمل النقاش الشؤون اللبنانية الداخلية بكل تشعباتها، إلى جانب ملفات إقليمية ذات تأثير مباشر.

 

واللافت أن الزيارة تأتي قبل ساعات من اللقاء المرتقب في واشنطن بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي دونالد ترمب.

 

ويتوقع أن يتناول اللقاء صورة المنطقة ككل، من سوريا إلى لبنان وصولاً إلى غزة، مع وضع الملف اللبناني ضمن سلة القضايا الساخنة التي تحتاج إلى مقاربة مشتركة. فالمملكة تُولي أهمية خاصة لما يجري في سوريا وانعكاسه المباشر على التوازنات اللبنانية، كذلك تسعى إلى إعادة تثبيت موقعها ودورها في بيروت في لحظة يتزاحم فيها الموفدون الدوليون، بعروض ومشاريع تسعى كل الأطراف إلى أن يكون لها موطئ قدم في رسم مستقبل لبنان.

 

جرعة أوكسجين في زمن الاختناق

ها قد عادت السعودية إلى المشهد اللبناني، فعاد معها شيء من الإحساس بأن البلد لم يُترك تماماً لقدره. ففي شوارع بيروت كما في المدن والبلدات، لم يُستقبل هذا الانفتاح بوصفه تفصيلاً دبلوماسياً، بل كعلامة فارقة على تبدل المزاج الإقليمي تجاه لبنان، وكجرعة أوكسجين في زمن الاختناق. فاللبناني، المرهق من الانهيار، يقرأ العودة السعودية على مستويين متوازيين، من جهة، كإشارة دعم معنوي تمنحه شعوراً بأن العالم لا يزال مهتماً ببلد خرج من دائرة الضوء أكثر مما يحتمل، ومن جهة ثانية، كفرصة اقتصادية قد تعيد تشغيل دورة الحياة، من الاستثمار إلى التوظيف مروراً بفتح السوق السعودية أمام المنتجات والقطاعات اللبنانية.

 

لكن خلف الارتياح الشعبي، ثمة قراءة أكثر نضجاً، ذلك أن اللبناني يدرك أن العودة السعودية ليست بلا شروط، وأنها مؤشر على مرحلة جديدة عنوانها “شراكة مع الدولة لا مع المنظومة”. لذلك تتفاوت ردود الفعل بين من يراها خشبة خلاص، ومن يخشى أن تتحول إلى ورقة ضغط إضافية على طبقة سياسية اعتادت إضاعة الفرص. ومع ذلك، يبقى المزاج الغالب هو شعور بالاطمئنان النسبي، بأن زمن القطيعة يخف تدريجاً، وأن نافذة الأمل لم تُغلق بعد ولو كانت مشروطة، ومحسوبة، ومحملة برسائل إلى الداخل قبل الخارج.

 

لماذا ابتعدت الرياض أساساً عن لبنان؟

يمكن تلخيص ابتعاد السعودية عن لبنان خلال العقد الماضي في مجموعة مسارات متراكبة، لا في سبب واحد، وأهمها سيطرة “حزب الله” على الدولة وتحويل لبنان إلى ساحة نفوذ إيرانية، وذلك منذ ما بعد 2005، ومع كل محطة أمنية من الاغتيالات، إلى 7 مايو (أيار) 2008، إلى التدخل في سوريا، واليمن، كلها مواقف عززت لدى الرياض انطباعاً أن القرار الفعلي في بيروت ينتقل تدريجاً من مؤسسات الدولة إلى الحزب.

 

فيما فجرت تصريحات وزير الإعلام اللبناني السابق، جورج قرداحي، عن حرب اليمن أزمة دبلوماسية أدت إلى سحب سفراء السعودية وعدة دول خليجية من بيروت، وإلى تجميد قنوات الحوار بشكل شبه كلي.

 

p2_(19).jpg

هل يحسن لبنان قراءة زيارة الأمير يزيد بن فرحان آل سعود كبداية صفحة جديدة؟ (مواقع التواصل)

لبنان منصة تهديد أمني واجتماعي

في شهر أبريل (نيسان) 2021، ضبطت السلطات السعودية أكثر من 5.3 مليون حبة “كبتاغون” مخفية في شحنة رمان آتية من لبنان، فقررت حظر استيراد الفواكه والخضار من هذا البلد. وهذا الحظر لم يكن تقنياً فقط، بل رسالة سياسية بأن الدولة اللبنانية فقدت السيطرة على حدودها، وأن بيئات محمية من “حزب الله” متورطة في التهريب، وذلك بحسب تقارير بحثية دولية.

 

وقال المتحدث الرسمي لمكافحة المخدرات بالسعودية، النقيب محمد النجيدي، حينها إن نسبة المضبوطات من أقراص “أمفيتامين” المخدرة الواردة من لبنان بلغت أكثر 75 في المئة من إجمالي المضبوطات في البلاد.

 

الانهيار الاقتصادي والمالي ورفض منطق “الشيك على بياض”

بعد أزمة 2019 والانهيار المالي الكبير الذي شهده لبنان، كانت هناك توقعات بأن “الخليج سينقذنا كالعادة”. لكن الرياض كانت قد غيرت عقيدتها ولم تعد مستعدة لتمويل نظام فاسد، منقسم، لا يقدم إصلاحات ولا يضبط سلاح الميليشيات. وهذا جزء من التحول في السياسة السعودية عامةً، أي الاستثمار مقابل إصلاحات وهيكلية، لا هبات بلا شروط.

 

وبذلك لم يعد لبنان ملفاً مركزياً يُستثمر فيه سياسياً ومالياً كما كان في المراحل السابقة، بل ملفاً يُربط بأمن الخليج، أي “الكبتاغون”، والحدود، و”حزب الله”.

 

ما الذي تغير اليوم وفتح باب “الإيجابية” من جديد؟

في الحقيقة، هناك ثلاثة متغيرات كبرى أخرجت لبنان تدريجاً من “الثلاجة السعودية”.

 

أولها، تبدل موازين القوى اللبنانية بعد الحرب الأخيرة بين “حزب الله” وإسرائيل، وغني عن القول ووفقاً لتقارير دولية وإقليمية، أن الحزب خرج من حرب 2024 مُنهكاً عسكرياً واقتصادياً، حتى لو احتفظ بسلاحه. وهذا أضعف “هيبة الردع” التي كان يراهن عليها، وفتح نقاشاً دولياً جدياً حول نزع السلاح أو تحييده تدريجاً. وجاء انتخاب الرئيس الجديد، العماد جوزاف عون، وتكليف نواف سلام تشكيل حكومة جديدة، مع دعم دولي وعربي واضح، أعطى الرياض والمنطقة بادرة إيجابية يمكن البناء عليها، بدل الشعور السابق، أن أي دعم سيذهب حكماً إلى منظومة فاسدة أو سيخضع لنفوذ “حزب الله”.

 

وبدا واضحاً أن السعودية رفعت منسوب المواجهة مع تجارة المخدرات، خصوصاً “الكبتاغون”، عبر أحكام مشددة وحملات أمنية واسعة. وفي الأشهر الماضية، سجل السعوديون تحسناً ملموساً في تعاون الأجهزة اللبنانية، في ضبط شبكات التهريب وملاحقة المصانع والمسارات المعتمدة للتهريب، ما سمح ببدء الحديث عن “إعادة فتح الباب التجاري” مع لبنان.

 

خطة تدريجية لاستعادة السيادة اللبنانية

وتحدثت تقارير صحافية عن خطة لبنانية، بدفع أميركي وأوروبي، لنزع سلاح “حزب الله” على مراحل، بدءاً من الجنوب وتثبيت تطبيق أوسع للقرار 1701، مع ربط ذلك بحزم دعم اقتصادي وإعادة إعمار بدعم خارجي. فيما تقارب الرياض هذه الخطة وكأنها “نافذة فرصة” للبنان، إذا تحركت مع واشنطن وعواصم أخرى عبر الاقتصاد والاستثمار، ويمكن أن تساعد في ترجيح كفة الدولة اللبنانية على حساب الدويلة، بشرط أن يلتزم لبنان فعلاً بمسار السيادة وضبط الحدود.

 

من هنا تأتي خطوة الإعلان السعودي عن نية “تعزيز العلاقات التجارية” مع لبنان بعد نجاح نسبي في الحد من تهريب المخدرات، وإرسال وفود تقنية واقتصادية إلى بيروت لبحث رفع الحظر عن الواردات اللبنانية.

 

ماذا تحمل زيارة الأمير يزيد بن فرحان إلى بيروت؟

ليست زيارة الأمير يزيد، المكلف بالملف اللبناني، بروتوكولية أبداً، بل يمكن قراءتها على عدة مستويات مترابطة على رأسها المستوى الاقتصادي والاستثماري، على قاعدة “فرص لا أوهام”. فالأمير يزيد بن فرحان وصل على رأس وفد يضم نحو 27 شخصية متخصصة في المجالات الاستثمارية، والاقتصادية، والإنمائية، والسياحية، وفق تقارير صحافية، وهذه التركيبة بحد ذاتها تقول إن البوابة الأساسية للعودة السعودية هي الاقتصاد لا السياسة التقليدية.

 

ووصفت مصادر دبلوماسية الخطوة، بأنها انتقال للتعامل مع الملف اللبناني من زاوية “الاستثمار في الفرص وليس في الأوهام، بما يخدم رفاهية الشعب اللبناني”، بمعنى التركيز على مشاريع ذات مردود واضح، من بنى تحتية، وطاقة، ومرافئ، واستثمار سياحي، وخدمات صحية وتعليمية… والابتعاد عن تمويل منظومات سياسية أو زعامات، أو ضخ أموال في نظام مالي “غير مُصلح”.

 

اقرأ المزيد

 

مصرف لبنان يشدد الرقابة على تحويلات المؤسسات المالية غير المصرفية

 

80 عاما بين السعودية ولبنان: تحولات العلاقة وأبرز محطاتها

 

22 اتفاقية شبه منجزة بين السعودية ولبنان… متى موعد التوقيع؟

تدعم السعودية بناء كيان الدولة ومؤسساتها

يقول الكاتب والباحث السياسي السعودي، حسن المصطفى، “إنه ومنذ مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، تشهد العلاقات اللبنانية – السعودية مؤشرات تطور في بعض مساراتها، وهو انفراج يستند إلى إجراءات ملموسة قامت بها الدولة اللبنانية حيال مافيا تهريب المخدرات تحديداً، في عمليات منظمة أبعادها ليست تجارية وحسب، بل سياسية وأمنية”. ويتابع “المقاربة السعودية خصوصاً والخليجية عموماً، تسعى إلى دعم الاستقرار في لبنان، من دون التورط في تفاصيل الانقسام الداخلي، لأن الانغماس في هذه التباينات لن يقود إلى أي نتيجة عملانية، وسيظهر دول الخليج العربية كأنها منحازة إلى حزب أو تيار أو طائفة، فيما موقف الرياض مبني على دعم بناء كيان الدولة ومؤسساتها”.

 

أهمية الدور السعودي بالنسبة للبنان

إلى ذلك، يرى الأكاديمي المتخصص في العلاقات الدولية والسياسات الخارجية، خالد العزي، أن الرياض عادت أخيراً إلى لبنان بشكل لافت، وهذه المرة عبر البوابة الاقتصادية والاستثمارية، مما يبعث برسالة قوية حول التزامها تجاه استقرار لبنان وأمنه الاقتصادي. وبعد سنوات من التوتر السياسي والإقليمي، تؤكد هذه العودة أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه في دفع عجلة التنمية الاقتصادية في بيروت. وقال “هذه العودة لا تقتصر على الدعم السياسي، بل تتجسد بشكل أكبر في الاستثمارات والمشروعات الاقتصادية التي يمكن أن تعزز من قدرة لبنان على التعافي من أزماته المالية المستمرة. ومنذ بداية الأزمة الاقتصادية عام 2019، كان البلد يعاني من تراجع حاد في النمو الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، مما جعل الحاجة إلى استثمارات ضخمة أمراً بالغ الأهمية”.

 

اختبار جدية الدولة اللبنانية

الإعلان السعودي الرسمي عن نية تعزيز العلاقات التجارية، جاء بعد “إثبات فعالية” الأجهزة اللبنانية في مكافحة تهريب المخدرات. وتشكيل لجان تقنية سعودية – لبنانية تبحث في رفع الحظر عن الصادرات وإعادة فتح السوق السعودية أمام المنتجات اللبنانية بشكل تدريجي.

 

لكن وراء البوابة الاقتصادية، توجد رسالة سياسية واضحة للبنان، لا استثمار بلا دولة، وأي تدفق استثماري سعودي جدي يحتاج إلى حد أدنى من الاستقرار الأمني والقانوني. أي ضبط السلاح خارج الدولة، وحماية الاستثمارات من الابتزاز السياسي والأمني، والشفافية القضائية والمالية. ومن هنا فإن الرياض تستخدم الاقتصاد كرافعة ضغط ناعمة، كلما تقدم مسار السيادة وضبط السلاح والحدود، كلما اتسع هامش الاستثمار والدعم.

 

حركة نشطة تستند إلى مبدأين

في تعليق على كلام رئيس الحكومة نواف سلام والذي قال فيه “يبقى لبنان الشقيق المخلص الوفي لإخوانه العرب الذين لم يترددوا يوماً في إظهار كل المحبة والدعم له”، يرى الكاتب حسن المصطفى أن هذه اللهجة غير المواربة تعكس إدراكاً بأن مستقبل العلاقة مع دول الخليج يمر عبر مؤسسات الدولة القوية، التي تمارس سيادتها وتنفذ خططها، ولا تكون أراضيها معبراً أو منصة لاستهداف الدول العربية”. ويتابع “بالتوازي مع ذلك، تواصل الدبلوماسية السعودية في بيروت حركة نشطة تستند إلى مبدأين، دعم المؤسسات الرسمية، والانفتاح على مختلف المكونات اللبنانية.

 

بدوره، يقول الأكاديمي خالد العزي، “من حيث المبدأ، يمكن القول إن عودة السعودية إلى لبنان باتت أكثر واقعية وحتمية على المدى الطويل، بخاصة في ظل السياق الإقليمي والدولي المتغير”.

 

وتبعاً للمعطيات السابقة، يبدو أن الرياض تتحرك في لحظة تشهد إعادة صياغة للعلاقات الأميركية – السورية، مع مسار تفاوضي بين دمشق وتل أبيب برعاية واشنطن، وبتقاطعات خليجية. في هذه الخريطة الجديدة، تريد السعودية أن يكون لبنان جزءاً من منظومة استقرار أوسع، لا خاصرة رخوة تُستخدم لإيذاء الخليج أو لخلخلة أي تفاهم مستقبلي.

 

7.jpg

عام 2021 ضبطت السلطات السعودية أكثر من 5.3 مليون حبة “كبتاغون” مخفية في شحنة رمان آتية من لبنان (ا ف ب)

وفي الرسائل إلى الداخل اللبناني، هناك دعم واضح لخيارات رئيس الجمهورية والحكومة كبوابة التعامل مع لبنان، بعيداً من منطق “البيوت السياسية” التقليدية وحدها. وإلى القوى السيادية، تقول إن الرياض مستعدة لاستخدام نفوذها الاقتصادي لمصلحة خيار الدولة، إذا تبلورت جبهة لبنانية جدية قادرة على التقاط الفرصة وعدم تضييعها في الحسابات الصغيرة.

 

أما إلى “حزب الله”، فالرسالة غير المباشرة هي، لا نبحث عن صدام مباشر معكم، لكن لا يمكن أن نستثمر في بلد يتحول سلاحكم فيه إلى تهديد لأمننا، أو إلى منصة لتهريب المخدرات أو تهديد الحدود الخليجية.

 

وكان الأمين العام لـ “حزب الله” نعيم قاسم قد أعلن في كلمة قبل أسابيع نيته فتح صفحة جديدة مع السعودية عبر الحوار، لكن الرياض لم تعلق على كلامه، فيما اكتفت أوساط متابعة بالقول إن الدولة السعودية لا تتعامل مع جماعات، بل مع دولة ومؤسسات.

 

ماذا يعني ذلك عملياً بالنسبة للبنان؟

يقول الكاتب حسن المصطفى، “المرحلة المقبلة يمكن النظر إليها عبر مسارين، المسار الأول إيجابي، إذا نجحت بيروت في استكمال ضبط الحدود والمرافئ وتطبيق إصلاحات مالية وإدارية وبسط سيادة وسلطة الدولة على مختلف الأراضي اللبنانية، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام عودة الاستثمارات الخليجية بشكل أوسع في قطاعات البنى التحتية والطاقة والسياحة ولاحقاً رفع حظر سفر السعوديين إلى لبنان. أما المسار الثاني فسلبي، إذا تعثر الإصلاح وبقي المشهد العام أسير ثنائية السلاح خارج سلطة الدولة واستمرار الاعتداءات الإسرائيلية، ما سيجعل الدعم الخليجي محصوراً في الإغاثة والقطاعات الإنسانية وحسب”.

 

اقتصاد مقابل سيادة

وعليه فإن معادلة المرحلة المقبلة ستكون مبنية على أسئلة عدة، منها، هل تستطيع القوى السياسية التقليدية أن تتعامل مع هذا المتغير كفرصة لإعادة بناء العقد الداخلي، أم ستتعامل معه كفرصة جديدة للمحاصصة وتقاسم الاستثمارات؟

 

ذلك أن السعودية ستراقب السلوك لا الخطاب، بمعنى هل ستُستكمل التعيينات والإصلاحات بشكل شفاف؟ وهل ستُترجم أي التزامات لبنانية في ملف السلاح والحدود إلى خطوات ملموسة، أم ستبقى بيانات إنشائية؟

 

من هنا يقف لبنان اليوم أمام مفترق طرق، فإما أن يُحسن قراءة المقاربة السعودية كبداية صفحة جديدة، عنوانها، الاقتصاد مقابل السيادة. وإما أن يضيع الفرصة مرة أخرى، فيتحول الانفتاح السعودي إلى مجرد محطة عابرة في مسار انهيار أطول.

التعليقات معطلة.