د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
نحلم ونحقق، هذا هو شعار المملكة العربية السعودية التي تحتفي بيومها الوطني الرابع والتسعين اليوم الاثنين، وهو شعار يصف المرحلة التاريخية التي تعيشها البلاد منذ إطلاق «رؤية المملكة 2030» قبل ثمانية أعوام، حينها كانت المستهدفات أحلاماً، والاستراتيجيات خرائط طرق، والإعلانات طموحات، والتفسيرات كثيرة، ويوماً بعد يوم، وشيئاً فشيئاً أصبح ذلك حقيقة، تلمسها الأيدي وتراها الأعين، بداية سُمعت الأصوات المتشككة، المصحوبة بضجيج استنكاري، وتحولت بعد ذلك إلى همسات مستغربة، ثم إلى صمت مطبق متأمل، حتى غلب اليوم على النبرات الفخر والاعتزاز، فسكت من استنكر، وافتخر من انتمى، وأصبح ما كان البعض يحاول النأي عنه، مطمعاً للمشاركة فيه، هذه هي «رؤية المملكة» الطموحة، التي كانت فكرة وغدت اليوم واقعاً
منذ الاحتفاء باليوم الوطني الماضي حتى اليوم، أجهِدت المراصد وهي تتبع إنجازات المملكة المتلاحقة، فاستمرت المملكة بالقيام بدورها الدولي فانعقدت فيها قمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية، وقمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول رابطة الآسيان، والقمة السعودية الأفريقية، وأعمال قمة السعودية ودول الكاريكوم، هذا ما انعقد في الرياض فحسب، فضلاً عن القمم الخارجية التي كان لمملكة ثقل كبير فيها، حاملة الهموم الوطنية والعربية والإسلامية.
خلال هذا العام، تسابقت منظومات الجهات الحكومية في الإعلان عن إنجازاتها، فحافظت المملكة على مركزها الثاني ضمن مجموعة العشرين في مؤشر تنمية الاتصالات والتقنية، وتصدرت دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في قيمة الاستثمارات الجريئة بأكثر من نصف استثمارات المنطقة، واحتلت المركز الثالث عشر عالمياً في مؤشر مساواة الأجور للعمل المماثل بين الجنسين، ووصل معدل المشاركة الاقتصادية للسعوديات أكثر من 35 في المائة، ووصل عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص إلى 2.3 مليون عامل بزيادة نحو 25 في المائة من مستويات 2019، والأهم من ذلك أن معدل البطالة تراجع إلى معدل تاريخي بلغ 7.6 في المائة، وما زالت الطموحات في ازدياد.
لم تغفل المملكة خلال هذا العام عن الحضور العالمي، فتمكنت من الفوز بتنظيم إكسبو 2030، بعد منافسة شرسة مع كبريات الدول مثل إيطاليا وكوريا، ولم يكن ذلك ليحدث لولا القدرات الوطنية المتمكنة التي راهن عليها ولي العهد السعودي في أكثر من مشهد، كما أصبح الفوز بتنظيم كأس العالم 2034 قاب قوسين أو أدنى من المملكة، والعالم بانتظار هذا الإعلان نهاية هذا العام، والمملكة ستستضيف بطولة العالم للراليات للمرة الأولى في تاريخها بداية العام القادم، وستستضيف كذلك لأول مرة في تاريخها مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف لمكافحة التصحر نهاية هذا العام، كما تمكنت بنجاح من استضافة فعاليات كبرى مثل كأس العالم للرياضات الإلكترونية.
وعندما أعلنت المملكة عن حجر الزاوية لرؤيتها، وهو تنويع الاقتصاد، راهنت على عدد من القطاعات، وكان أكثرها تحدياً هو قطاع السياحة، الذي حقق المفاجأة تلو الأخرى، وأكد أن تنويع الاقتصاد ممكن وماضٍ في مساره، فاحتلت المملكة المركز الأول بين دول مجموعة العشرين من حيث نسبة نمو السياح الدوليين، وحققت المملكة مستهدف عدد السياح لعام 2030 قبل عدة أشهر، لترفع بعد ذلك المملكة سقف طموحها من 100 مليون سائح إلى 150 مليون سائح، وقد شهد عام 2023 لوحده نحو 27 مليون زائر من خارج المملكة، وقد أنفق السائحون من داخل المملكة وخارجها أكثر من 130 مليار ريال في ذلك العام.
ولعل أبرز ما أنجز خلال الأعوام السابقة، هو الشفافية في الإعلان عن هذه الأرقام، ورصدها ومتابعتها باستمرار، فأصبحت متابعة المشروعات والمستهدفات مدعّمة بالأرقام والحقائق، وحققت المنظومة الحكومية إنجازات عدة في الإفصاح عن البيانات الحكومية، ولا مثال على ذلك أكبر من التحدي الذي تجاوزته وزارة المالية، بالإعلان الربعي عن الميزانية العامة بعدما كان ذلك الإعلان سنوياً، وقد مكّن ذلك من زيادة مرونة وسرعة اتخاذ القرارات، بالاعتماد على بيانات حديثة، ولا غرابة بعد ذلك أن تحقق المملكة المركز الثاني عالمياً في مرونة التعامل مع الجائحة.
يُصبح السعوديون كل يوم على تحقيق إنجاز جديد، أو على الإعلان عن حلم جديد، وأصبحت متابعة الأحلام والإنجازات عملاً بحد ذاته، تهيئ له المراصد ويبحث فيه المحللون، فهنيئاً للمملكة أن أصبحت كما هي اليوم، ولو كان العام مليئاً بالعمل الشاق المجهد، الذي يسعى إلى الارتقاء بالوطن، وتحقيق الأحلام الصعبة، فإن اليوم الوطني هو نقطة يقف فيها المتأمل، ليشاهد بفخر ما أنجز في أعوام سبقت، ويتطلع إلى مزيد من هذه الإنجازات، التي كانت أحلاماً وغدت حقيقة.