السعودية وتركيا على خطوط موسكو… و«إسرائيل»؟

1

 
كتب/ ناصر قنديل
 
– تبدو الدينامية الدبلوماسية الروسية بكفاءة نادرة قادرة على ابتكار الصيغ والمستويات المركبة لمواكبة العمل العسكري الذي تؤديه قوات روسيا الجوية بكفاءة عالية، في دعم حركة الجيش السوري وحليفيه الأبرز إيران وحزب الله. وأولى مهمات الدبلوماسية هنا هي تقديم مظلة حماية لقوى الحلف لتواصل الإنجازات لأن التجربة تقول خلال سنوات ماضية أن التقدم الدبلوماسي لا يأتي إلا من حاصل ما يقدّمه الميدان من إنجازات، لذلك كانت الخيبة نتيجة كل مسعى أراد إغراء موسكو أو ترهيبها أملاً بالحصول على تشقق يصيب حلفها مع إيران وحزب الله. وتحت هذا السقف على الدبلوماسية أن تبدع البحث عن مقايضات ينتجها التآكل في جبهة الخصوم وتضعضع مشروعها وجهوزية أطرافها للبحث عن أثمان خاصة خارج الحلف الذي جمعهم ذات يوم لإسقاط سورية .
– أول التغييرات التي أحدثتها الدبلوماسية الروسية على خطتها عن العامين الماضيين هو التوجه نحو أميركا بلغة مختلفة ليس فيها دعوة واشنطن لضمان التزام حلفائها، بما يتضمنه التفاهم الروسي الأميركي، بل ضوابط مشتركة جرت صياغتها على حافة الهاوية بالتهديد بالمواجهة الشاملة، كلما رسمت واشنطن خطاً أحمر يهدّد تقدم الجيش السوري وحلفائه وخصوصاً إيران وحزب الله، وصولاً لإقناع واشنطن بمعادلة الخط النهائي واللعب من داخلها، دولة سورية برئيسها وجيشها، وحكومة ودستور جديدين بانتظار الانتخابات، لقاء التعاون في منح واشنطن فرصة نيل انتصارات تحتاجها على داعش في مناطق من سورية، دون جعلها تحت منظار المشاغبة التي يملك الحلفاء القدرة والرغبة للقيام بها. وهذه الحماية مقابل لعبة سباق على الجغرافيا التي تحتلها داعش ضمن ضوابط تمنع الضرب تحت الحزام، وتعبيرات ذلك قدّمها الأميركيون في تفاهم التهدئة جنوباً وسحب ميليشياتهم، وصولاً لقطع المال والسلاح عن كل من يواصل قتال الجيش السوري ورفع الغطاء عنه. وثقة موسكو بأن السبابق سيسفر عن فوز عظيم لسورية وحلفائها، بدءاً من دير الزور وصولاً للبوكمال وضفاف نهر الفرات.
– مع الأكراد تركت موسكو الأوهام التي زرعها الأميركيون في حساباتهم بقيام كيان خاص، وواصلت علاقة باردة معهم بانتظار التحول الذي سينجزه بلوغ الجيش السوري وحلفائه قلب المنطقة التي وعد الأميركيون القيادات الكردية أنها منطقة محرمة على الجيش السوري وحلفائه. وعندها تكون الدعوة لجنيف وأستانة خشبة خلاص، تقدم للقيادة الكردية كشريك رئيسي مرحَّب به في الحل السياسي، بينما السيف التركي مسلّط من الجهة الغربية والسيف الإيراني مسلط من الجهة الشرقية والجيش السوري لن يترك منطقة خارج سيطرته، وقد صار خط التقدم من الجنوب إلى الشمال يضيق رقعة الخصوصية يوماً بعد يوم، بينما صنعت الدبلوماسية من الفشل التركي في مشروع السلطنة والقلق التركي من الخصوصية الكردية أرضية لدينامية متواصلة لإنتزاع موقف تركي يتحمل تبعات مقايضة عنوانها، مسؤولية تركية عن إنهاء وضع إدلب وجبهة النصرة، مقابل ضمان روسي يشمل الحلفاء بعدم التساهل مع خصوصية كردية أمنية وسياسية على الحدود التركية، وصولاً لربط نزع السلاح الكردي النظامي، بخروج الأتراك من الجغرافيا السورية، وعودة حصرية السلاح النظامي للدولة السورية ومؤسساتها العسكرية والأمنية.
– مع السعودية راكمت الدبلوماسية الروسية على الإخفاقات التي مُني بها المشروع الذي تقوده واشنطن لإسقاط سورية وتصدرته السعودية، وتظهير تفاهماتها مع الأميركيين والبدء بتنفيذها، وإثارة الشكوك بتماسك الجبهة التي يسند السعوديون
ظهرهم إليها من واشنطن إلى باريس فلندن وصولاً لأنقرة، ثم على الأكلاف المادية والمعنوية للحرب اليمنية والفشل الذي تحصده ويكبر حجمه ويشدّ الخناق على حكام الرياض. ثم ظهور الأزمة مع قطر كحلم سعودي غذاه الأميركيون بالوعود، ورأوه يقع في الاستعصاء، بخطوط حمر إيرانية تركية تشجّعها روسيا، حتى صارت معادلة السعودية وضع الحرب في اليمن والتخريب للحلول في سورية، مقابل الحصول على تغطية لحلّ مع قطر يبقي اليد السعودية هي العليا، فاختارت موسكو ما لا يسمح بالتهام قطر كلقمة سائغة في سوق الغاز لصالح السعودية، وهو ما لا تسمح به موسكو، وحصرت التغطية بتصنيف الأخوان المسلمين كتنظيم إرهابي في مجلس الأمن الدولي. وهذا مطلب وعدت موسكو به مصر سابقاً وتريده سورية بقوة، وبدأت الحركة من القاهرة بالتفاهم على مشاركة جيش الإسلام في تهدئة الغوطة مبتعداً عن النصرة وداعش، وتوّجت بما حملته زيارة وزير الخارجية الروسية للرياض وستخرج النتائج الواضحة مع زيارة الملك سلمان لروسيا.
– وحدها «إسرائيل» تشعر وتعترف أن الدبلوماسية الروسية لم تبتكر لها مكاناً سهلاً في المعادلة الجديدة. فالتخلي عن دور الصبي الأزعر في المنطقة وقبول الحل السوري وفق الرؤيا الروسية ليس كافياً، لتحقيق مطلب «إسرائيل» بإبعاد حزب الله وإيران عن الحدود، بل ثمّة ثمن آخر يرتبط بالانسحاب من الجولان. وهذا ما يجعل القراءة الروسية للمشاغبة «الإسرائيلية» في سورية ولبنان إعلاناً عن رفض القبول بالانسحاب من الأراضي السورية واللبنانية المحتلة كثمن لطلب الأمن على الحدود، وربّما من حيث لا تعلم «إسرائيل»، فهي تُعطي من تخشاهم وعلى رأسهم حزب الله الفرصة التي يريدونها لاستدراج «إسرائيل» لحرب، كما يقول المحلل العسكري «الإسرائيلي» أليكس فيشمان، عنوانها تحرير الجولان ومزارع شبعا توحّد اللبنانيين والسوريين، وتشعل الشارع العربي والإسلامي وتفتح باب متغيّرات فلسطينية لا يعرف نهايتها أحد.

التعليقات معطلة.