بقلم : روزانا رمّال
تنقل وكالة رويترز عن مسؤول أميركي امس، انه من المتوقع ان تفتح أميركا سفارتها لدى «إسرائيل» في القدس في ايار المقبل. وهو تسريب خطير في مثل هذا الوقت الذي تتواتر فيه محطات التصعيد بالمنطقة المتعلقة بالوضع في سورية وتحديداً الشمال والأوضاع في عفرين وصولاً الى الغوطة الشرقية حتى الجنوب السوري الواقع ضمن معادلة ردع جديدة رسمتها سورية وحلفاؤها بعد إسقاط طائرة اف 16 الأميركية. وبالتالي فإن السؤال عن جدوى التصعيد الإسرائيلي في هذه اللحظات صار اساسياً لدراسة امكانية التراجع من عدمها. وهذا الاعلان يؤكد ان الولايات المتحدة الأميركية ماضية حتى النهاية في هذا القرار الذي اكد خبير في الشؤون الأميركية لـ «البناء « استحالة التراجع عنه لأن الية محددة متبعة بعد تصويت اغلبية اعضاء الكونغرس الأميركي تمنع ذلك، كما ان الرئيس دونالد ترامب هو الرئيس الاول الأميركي الذي تجرأ على توقيع هذا القرار منذ منتصف التسعينيات. وهذا يعني انه قرار مدروس بشكل جيد ومتفق عليه في كل غرف المؤسسة الأميركية الحاكمة. وبالتالي فان كل ما يستدعي مواجهته للمضي قدماً به واقع ضمن سقف محدد أميركياً.
لكن وقبل كل ذلك تبدو واشنطن واثقة بانها استطاعت «لجم» كل ما كان متوقعاً ان يقف عائقاً بوجه هذا القرار المشترك مع الإسرائيليين وهو الموقف العربي. وهذا الامر تم حسب المصادر والمعلومات الدبلوماسية الموثقة بعد موافقة أكثر من دولة عربية اولها المملكة العربية السعودية وحلفائها الذين رحبوا بهذا الخيار بعد ان قدمت واشنطن لهم ضمانات بقاء قواعدها العسكرية في المنطقة وحماية مواقعهم السياسية. وهذا بحد ذاته نجاح أميركي واضح، فمعارضة الدول العربية اقتصرت على بيانات فقط. والأهم من ذلك ذهاب بعض الدول كالبحرين الى التحدي وإرسال إشارات تطبيع بزيارة وفد بحراني عشية توقيع القرار الى «إسرائيل». هذا بالاضافة الى مستجد اكبر يتعلق بتمرير التطبيع بين الشعوب العربية لا الحكومات التي تماشت مع ذلك. وهو الامر الذي يشكل خطورة كبيرة. بدأ مع مصر عبر الحديث عن توقيع شركات خاصة عقود بقيمة 15 مليار دولار لاستيراد الغاز من «إسرائيل». وهو الأمر الذي يبرره خبراء مصريون بانه «لا علاقة للحكومة او الدولة فيه، بل ان هذا واقع ضمن علاقة بين شركات خاصة بين الطرفين». وهذا يعني امراً واحداً و«هو العمل على تعزيز فكرة «التطبيع» بين الشعوب العربية بعد ان كان الرفض الكامل هو سيد المشهد بدون ان يتجاهل الخبراء أنفسهم ان فكرة الاستيراد هذه لا تعني ان الحكومة ليست على علم بها او انها لم تباركها باقل تقدير، طالما انها لم تعرقلها باعتبار ان العلاقات بين مصر و«إسرائيل» واقعة ضمن معاهدة سلام قديمة وهذا ليس سراً».
ردود الفعل العربية أتت دون مستوى توقع الفلسطنيين اصحاب القضية، لكنها بكل تأكيد اتت ضمن مستوى التوقع الأميركي الذي حذا بواشنطن المضي قدماً نحو هذا القرار. والاهم من هذا كله ان احداً لم يمد الدعم للفلسطينيين منهم لاندلاع انتفاضة قادرة على وضع حد للتمادي الأميركي الإسرائيلي الامر الذي صار موضوعا ضمن دائرة امكانية أن تتحرك ايران لدعم مجموعات مقاومة داخل الاراضي المحتلة أبرزها الجهاد الاسلامي وحركة حماس التي صححت العلاقة بايران من جديد من دون ان يعني ذلك انها مستعدة الى التقدم نحو قتال غير مدروس، لان الحرب حسب مصدر قيادي في حركة حماس لـ«البناء» هي «اكثر ما ينوي الإسرائيليون الهروب اليها. والذهاب اليها فوراً يعني اعطاء «إسرائيل» ذريعة للقصف واستهداف المدنيين واضاعة الهدف الاساسي، لذلك فان الحركة ترى ان العمليات التي تحصل ضمن الاراضي بشكلها الحالي على يد الشبان الثائر قادرة على استنزاف قوات الامن الإسرائيلية والامن الداخلي بشكل أكثر تأثيراً في الوقت الراهن».
وبالعودة الى الحكومات العربية التي من المفترض ان تجتمع بعد نحو شهر في لقاء القمة العربية على مستوى الحكام والرؤساء، فإنها الغيث الأخير المنشود «شكلاً» وهو واقعاً الأمل المفقود، لأنه من غير المتوقع على الإطلاق أن تتصاعد المواقف لناحية الخطوات بل الاكفتاء بمواقف قوية سياسياً من دون ترجمتها قطعاً للعلاقات الدبلوماسية والتجارية مع «إسرائيل». وهذا الامر يعني ان المواجهة مقبلة لا محالة اذا صح التسريب الأميركي لرويترز، بعد ان كانت ادارة ترامب قد حرصت على اعلان ان هذا الأمر لن يتم قبل سنة. وبالتالي، فإن التصعيد او ارسال رسائل تهديد صار سيد المشهد. وبالتالي صار ربط ملف الصراع ككل مرتبطاً بالنزاعات المحيطة وسبل التسوية المعرقلة في سورية ومعها المستجد الأخير المتعلق بالنفط في لبنان واقتسام الحصص البحرية. فإذا كانت واشنطن تتوجّه فعلاً لنقل السفارة في أيار، فهل هذا يعني أنها تكشف «إسرائيل» امام الاحتمالات كافة؟
على مقربة من انعقاد القمة العربية يصبح الضغط الأميركي أكثر إحراجاً بما يبدو مقصوداً لجهة الاستخفاف بالمواقف العربية التي لا تقلق الأميركيين بعد موافقة الدول العربية الاساسية على مسألة التهويد والمضي قدماً باتجاه تطبيع العلاقات أكثر. كل ذلك ضمن مبرر شرّعته الادارة الأميركية واقتنع به العرب خصوصاً الخليجيين. وهو واقع ضمن مواجهة ايران وتقارب المصالح مع «إسرائيل» وضرورة التوحّد بوجهها.