مقالات

السلام الأفغاني عقبات وحلول

 
 
أيمن حسين
 
تعيش أفغانستان صراعا مريرا تسبب في خسائر فادحة في الأرواح والأموال، وما زال هذا الصراع مستمرا بالرغم من محاولات التهدئة والسلام التي تجريها روسيا وباكستان من جهة، والولايات المتحدة والدول الغربية من جهة أخرى، ولا يعرف على وجه الدقة متى ينتهي هذا الصراع الذي يدفع ثمنه الشعب الأفغاني الذي لا ينفك يخرج من كارثة حتى يقع في أخرى أشد وأنكى، وصولا إلى تلك الحالة.
فبعد نجاح الأفغان في هزيمة الاحتلال السوفييتي، كانت الآمال معقودة على إعادة بناء الدولة والانطلاق في طريق التعمير وإعادة البناء، ولكن يبدو أن الأهمية الاستراتيجية لتلك البلد المحورية، والتي تقع على تقاطع طرق استراتيجي في وسط آسيا، ما يجعلها مطمعا لكل القوى العالمية، تسبب في بث الفتن وإثارة القلاقل والاضطرابات الداخلية، والتي وصلت إلى الاقتتال الداخلي، وصولا إلى الحرب الأميركية التي أسقطت نظام طالبان على خلفية أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
ومنذ ذلك الحين وأفغانستان تعيش حربا ضروسا ما بين الحكومة الأفغانية والولايات المتحدة الأميركية من جهة، وحركة طالبان من جهة أخرى. وبالرغم من مرور ما يقرب من العقدين على بدء تلك الحرب، إلا أنها لا تزال مشتعلة ويزداد لهيبها، إذ فشلت الولايات المتحدة في القضاء على الحركة، وكذلك فشلت طالبان في استعادة السلطة التي فقدتها مرة أخرى، لنصبح في حالة أقرب إلى الجمود الذي يدفع ثمنه الشعب الأفغاني منها إلى الحركة، وإعادة النشاط والبناء الذي كان يأمله الجميع.
وفي ظل هذه الحالة التي رأي الأميركان أنها تكلفهم الكثير من الأموال، توصلت الإدارة الأميركية الحالية إلى أهمية إقامة سلام مع حركة طالبان لوضع حد لهذا الصراع الممتد، وبالفعل تم عقد لقاء مع قادة الحركة في الدوحة، وسط حالة من عدم الرضا من قبل الرئيس أشرف غني، الذي يحاول عرقلة تلك المصالحة لاعتقاده بأنها تصب في صالح طالبان وتمهد لهم السبيل للعودة إلى كابول من جديد، ما دفعه لإرسال رسالة إلى الرئيس الأميركي، كشفت عنها صحيفة “نيويورك تايمز”، لمطالبته بعدم سحب القوات الأميركية بشكل مباشر، وإنما القيام بخفضها بشكل تدريجي، حتى يتمكن من السيطرة على الأوضاع ونشر الأمن والاستقرار في أفغانستان، الأمر الذي أغضب الحركة ودفعها لاتهامه بالعمالة، بسبب إصراره على بقاء القوات الأميركية.
وقد أدت تلك الخلافات لإثارة القلق في نفوس الشعب الأفغاني الذي بات يتشكك في إمكانية حدوث المصالحة الموعودة في ظل خلافات النظام والحركة والتي يبدو أنها عميقة وغير قابلة للحل في ظل حالة التشكيك وفقدان الثقة لدى الطرفين، والتي انتقلت بدورها إلى القبائل والفصائل والأحزاب الأفغانية المختلفة، والتي من شأنها أن تجعل السلام في أفغانستان وبين مختلف الفرقاء بعيد المنال.
لذلك فإن البداية الحقيقية للمصالحة الأفغانية لا بد وأن تكون من الداخل، فطالما بقيت حالة فقدان الثقة ما بين مختلف الأطراف، فلن يمكن لأي قوة سواء الولايات المتحدة أو غيرها أن تقيم سلاما حقيقيا على الأرض، بل أقصى ما يمكنها تحقيقه هو سلام هش سرعان ما سيزول بمجرد خروج القوات الأميركية من أفغانستان، بل قد تكون الولايات المتحدة عاقدة العزم على أن لا يخرج إطار السلام عن هذا الإطار الهش الذي تحرص عليه من أجل أن تظل مختلف خيوط اللعبة بيدها حتى بعد خروج قواتها من أفغانستان.
ومن هنا فإن نبذ الخلافات البينية والاتفاق على نظام سياسي يحتوي الجميع دون إقصاء أو تهميش لأحد، وإعادة السلطة إلى الشعب الأفغاني ليختار من يناسبه من تلك القوى، على أن تتولى الفترة الانتقالية عناصر مختارة من النخبة الأفغانية تكون ممثلة لمختلف القوى والأحزاب والحركات السياسية، تمهد السبيل لانتخابات رئاسية وبرلمانية يشارك فيها الجميع، هو الطريق الصحيح الذي يعيد الدولة الأفغانية إلى حاضنة المجتمع الدولي، ويعطي الشعب الأفغاني استراحة محارب لإعادة بناء الدولة وتطويرها بالشكل الصحيح.