كلما سافرنا إلى دولة من دول العالم نشعر بالغصة والألم ونحن نشاهد ذلك التطور والعمران الذي تنعم به تلك البلدان ، وبعضها تجاورنا .. ويزداد همنا اكثر اذا ما سنحت لنا الفرصة بزيارة مصنع او معمل لاسيما تلك المصانع العملاقة المتخصصة بإنتاج السلع والأجهزة والمواد الغذائية بشتى اصنافها .. وحين نعود إلى بلدنا نبدأ بالحديث عما شاهدناه هناك عبر اعمدة ومقالات صحفية في محاولة منا لاستفزاز مالدينا من امكانات وإطلاقها من مكامنها.. والحقيقة انها ليست كذلك ، اذ شاءت المصادفة ومن خلال مهمة عمل قادتني إلى محافظة بابل ، وفيها وجدت ما يبعث في النفس الامل بوجود قدرة لدى العراقيين في الانبعاث من جديد مثل طائر الفينيق الجميل .. وهنا لا اتبنى دعاية مجانية لجهة ما .. ولكن مارأيته بهرني وهو يستحق ان نسلط الاضواء عليه لانه يمثل اضاءة مهمة في واقع التنمية والاستثمار في العراق ، وحديثي عن شركة الاتحاد للصناعات الغذائية ، المكونة من مصنعين احدهما لصناعة السكر والثاني لصناعة الزيوت النباتية .. ونتيجة لكفاءة انتاج السكر ومطابقته للمواصفات العالمية والكميات التي ينتجها المصنع ، فقد اصدر مجلس الوزراء قرارا الزم به وزارة التجارة بالتعاقد مع هذا المصنع لتجهيز البطاقة التموينية بمادتي السكر ، وقد نجح فعلا في ذلك خلال الثلاثة اعوام الماضية ، لا بل نجح في سد حاجة السوق المحلية وتجهيز الشركات الصناعية وخصوصا مصانع المشروبات الغازية والعصائر ، وكان هناك فائض بالإنتاج بكميات ليست قليلة صدرت إلى الخارج ، يعمل في هذا المصنع اكثر من 1500 موظف ومعنى هذا فان 1500 عائلة تعيش على عجلة هذا المصنع فاذا كان متوسط الاسرة هو 6 افراد فان هناك 9 الاف انسان يستفيدون من مصنع السكر ، ناهيك عن عجلة الحياة التي تدور في المناطق القريبة منه .
اما اذا تحدثنا عن المصنع الثاني المتخصص بتكرير الزيوت النباتية فهو لايقل شأنا عن الاول اذ تبلغ طاقته الانتاجية 3 الاف و600 طن يوميا ويعمل فيه نحو 1500 عامل ايضا وهذا المصنع مصمم لسد الحاجة المحلية والبطاقة التموينية من مادة الزيت ..
وبصراحة اتحدث ، انني عندما تجولت على مدى ثلاث ساعات في اروقة الشركة المشيدة على مساحة 179 دونما ، فعلا شعرت بالفخر وغمرني احساس ان هذا المصنع العملاق ليس في العراق انما في دولة متقدمة ، فقد كان كل شيء يسير بنظام عال وتقنيات متطورة وكم هو مفرح ان تشاهد اكياس السكر الناصعة البياض او عبوات الزيت الاصفر شديد النقاء وهي تتهادي بغنج فوق تلك الخطوط المتحركة تعلوها تلك العبارة الساحرة (صنع في العراق) ..
ان قصة نجاح متكاملة مثل هذه القصة ينبغي تعضيدها وتبنيها ليكون بالإمكان استنساخها مرة اخرى وفي جانب اخر من جوانب الصناعة والتنمية وهذا الامر يتطلب توفير البيئة الايجابية للاستثمار ، فهذه البيئة تمتاز بدرجة عالية من الخصوبة ، فأحد الاسباب التي حالت دون انطلاق الاستثمار على الرغم من وجود قانون يعد من افضل القوانين الاستثمارية في المنطقة ، هو ان البيئة الاستثمارية كانت طاردة ، فالمستثمر يتعرض للكثير من الضغوط تضطره في نهاية المطاف إلى العودة من حيث اتي .. ومن المؤكد ان لدينا قصص نجاح اخرى تحتاج إلى تسليط الضوء عليها لتنير لنا الطريق إلى غد افضل .
عبد الزهرة محمد الهنداوي