مقالات

السودان وربيع الوقت بدل الضائع

فوزي رمضان
صحفي مصري

عندما اندلعت ما تسمى (ثورات الربيع العربي)، تساءل كثير من المراقبين، لماذا لم يقم ربيع سوداني؟! رغم ان أزمة السودان لا تقل ضراوة عن تلك التي عانت منها الدول العربية، خاصة وهي الجارة لدول رؤوس الانتفاضة الشعبية – مصر وليبيا وتونس – وقد سئل الرئيس السوداني عمر البشير عن نفس السؤال، فكانت اجابته حينها بأن انقلابه قبل27 عاما، كان الاصدار السوداني من الربيع العربي وقال: (هؤلاء الذين ينتظرون الربيع السوداني، سينتظرون لوقت طويل).
والان ماذا بعد ارتفاع سعر الخبز بنسبة 300% مع ندرة الدقيق، وبعد التدهور السريع في سعر صرف الجنية السوداني، من 3 جنيهات في عام 2012م إلى أكثر من 70 جنيها مقابل الدولار الواحد، ومع عدم توفر السيولة النقدية، تمتنع المصارف عن تمكين الناس، من الحصول على (الكاش)، إلى جانب قرار تعديل الدستور، للسماح للرئيس البشير بالترشح للرئاسة مدى الحياة، والذي لقي معارضة حتى من داخل حزب (المؤتمرالوطني) الحاكم.
مع تلك الرسائل السلبية وتردي الأحوال المعيشية، اندلعت بعض الاحتجاجات العفوية، التي لا تنتمي لأية أحزاب، فقد خشت الكتل السياسية في البداية من تأيدها خشية عواقب الأمور، ومع تطور الأوضاع على الأرض، خرجت مدن بأكملها عن سيطرة النظام، مما أشعل حماسة بقية المدن، لتندفع المواجهات مع أجهزة الأمن، ويسقط أكثر من 19 قتيلا ومئات الجرحى، ومع حظر التجوال تتدخل قوات الجيش، التي منعت الشرطة من التعامل العنيف مع المتظاهرين، وبعض الأحيان قامت بحمايتهم، كمجرد خطوة لتهدئة المواطنين الغاضبين، بمعنى أن قوات الجيش ما زالت على الحياد ولم يصدر عنها أية بيانات تفيد أنها لم تعد تلتزم بقرارات الرئيس السوداني.
سقوط القتلى مع اراقة الدماء، دفع معظم الأحزاب إلى جانب المعارضين للنظام، تبني مطالب الجماهير بل والمطالبة بإسقاط راس النظام، تحركت القوى السياسية طبقا لتحركات الشارع، وقرر الكثير منها الانخراط في المظاهرات، الجميع يعلم معاناة السودانيين وعدم قدرتهم على تحمل أعباء جنون الأسعار، صحيح ان تلك الاحتجاجات، وان كانت مفاجئة للحكومة السودانية، فإنها لم تكن هي الأولى، فقد سبقتها احتجاجات اقتصادية كثيرة، لكن لم تكن تحمل طابعا سياسيا أو تغييرا لنظام الحكم. وربما تكون موجة الاحتجاجات تلك مختلفة عن سابقتها.
حقائق لابد منها … النظام السوداني لم يعد قادرا، على الاستمرار في دعم السلع الاستهلاكية الأساسية، وتوزيعها بأسعار مخفضة، فقد كبلت الدولة السودانية على مدار 20 عاما، بعقوبات اقتصادية اميركية لم ترفع عنها سوى من عامين، شكل هذا انكماشا اقتصاديا حادا وتضخما كبيرا، ومع انفصال الجنوب السوداني عام 2011م خسر السودان ايضا ثلاثة ارباع انتاجه النفطي، حيث اخذ الجنوب معه معظم حقول النفط، كذلك عزوف الكثير من المستثمرين عن العمل في السودان حيث مناخ الاستثمارغير مشجع، فما زال البشير مطلوبا لدى المحكمة الجنائية الدولية، بتهم انسانية في دارفور.
رغم موجة الاحتجاجات السودانية العفوية، ورغم ثورة الخبز التي تؤيدها معظم منظمات المجتمع المدني في الداخل السوداني، الا انها قوبلت بالتجاهل الدولي وعدم التأييد، في المقابل يحصد النظام السوداني الدعم الخليجي والعربي خاصة مصر، رغم فترات القطيعة احيانا، وتباين القضايا والملفات بين النظامين، خاصة ملف حلايب وشلاتين، إلا ان النظام المصري يجد نفسه مدفوعا، للوقوف بخانة البشير والحيلولة دون سقوط نظامه.
الموقف المصري على لسان وزير خارجيته سامح شكري، الذي اسرع بزيارة السودان مع رئيس جهاز المخابرات، يؤكد على انه يدعم السودان واستقراره، كونه وعلى مدى التاريخ يمثل العمق الاستراتيجي لمصر، وبوابتها الجنوبية خاصة والأهم للأمن القومي المصري، فبعد ثورة 30 يوليو المصرية كانت السودان نقطة التقاء لجمع شتات الإخوان المسلمين، والملاذ الامن لافراد الجماعة، هروبا من النظام المصري، مما اثر بالسلب على علاقة الدولتين، ومع الضغط المصري الزمت السلطات السودانية عناصر جماعة الإخوان ممن يحملون الجنسية المصرية، ضرورة مغادرة الاراضي السودانية، استجابة للمطالب المصرية.
لذا تحاول مصر دعم النظام السوداني خوفا من صعود نظام جديد يعارض سياستها، (انها لغة المصالح)، صحيح قد يؤثر ذلك نوعا ما على الشارع السوداني، الذي اذا انتصرت ثورته، سيكون موقفه سلبيا ضد مصر، واذا فشلت ستكون مصر ايضا في موقف المتآمر، على رغبته في تغيير النظام، واعتقد ان الدولة السودانية حاليا مسيطرة تماماعلى زمام الامور،رغم كم الاحتجاجات.
على اية حال لقد تحصنت معظم الدول العربية، ضد أي ثورات، ربيع كانت ام خريف، وكما فشل متظاهرو السترات الصفراء في فرنسا من سقوط ماكرون، رغم ارتفاع سقف مطالبهم، كذلك تفشل مظاهرات الإقليم العربي، لقد جاءت ثورة الربيع السوداني في الوقت بدل الضائع، بعد ان انتهت تقربيا أشواط مباراة هدم الدول وسقوط الأنظمة، غاية الاحتجاجات رفع المطالب وتوصيل الرسالة، ورفع البطاقة الحمراء والصفراء ايضا في وجهة الحاكم، ليعدل رغما عن انفه، قرارا كبل مواطنيه، أو تعديل مسار رفضه ناخبوه، وكذلك الرسالة التي يجب ان تفهم لكل الحكام اتقوا شر الغاضبين اذا غضبوا .