قسم الصحه

السّرطان يفتك بالليبيين… نقصٌ حادّ في الأدوية وجهودٌ لحلول جذرية

طفل مصاب بالسرطان.

تتواصل معاناة مرضى الأورام في ليبيا بسبب النقص الحاد في الأدوية والتجهيزات الطبية اللازمة للعلاج، فيما كشفت السلطات المحلية عن تضاعف أعداد المصابين خلال السنوات الأخيرة، ما يفاقم المأساة في بلد ضرب الإهمال والفساد قطاعه الصحي.  وكشف رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة السرطان حيدر السايح عن تسجيل أكثر من 22 ألف مريض بالأورام خلال آخر 5 سنوات، بينهم 1200 مريض تم تسجيلهم منذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي فقط، موضحاً أن معظم الحالات هي من مرضى سرطان الثدي لدى النساء بنسبة 28 في المئة. وأضاف أن 8 في المئة  فقط من أورام القولون تُكتشف في المرحلة الأولى، بينما يُكتشف 31 في المئة في المرحلة الثانية و38‎ في المئة في المرحلة الثالثة و‏23‎ في المئة في الرابعة، مُعبراً عن أسفه لغياب الفحص والاكتشاف المبكر لسرطان القولون، وداعياً الفئات العمرية التي تتعدى الـ 50 عاماً إلى إجراء الكشف مرة في السنة على الأقل.  أرقام صادمةالأرقام الحديثة مثلت صدمة للمجتمع الليبي، إذ كانت السلطات تتحدث طيلة السنوات الماضية عمّا بين 7 آلاف إلى 9 آلاف مريض بالأورام مُسجل لديها، قبل أن تُشير إلى استحداث منظومة للتسجيل الموحد لمرضى السرطان ضاعفت أعداد المرضى المسجلين، لكن مصادر طبية محلية لفتت لـ”النهار العربي” إلى أن التعداد الحديث يشمل فقط المرضى الذين يتقدمون إلى المستشفيات الحكومية ويسجلون أنفسهم لطلب العلاج على نفقة الدولة، مرجحة أنه إذا ضُم إليهم المرضى الذين يتلقون العلاج على نفقتهم الخاصة، سواء في الداخل أم في الخارج، قد تتضاعف مجدداً هذه المعدلات. حديث المصادر الطبية يتوافق مع آخر إحصاءات أصدرها المعهد القومي للأورام لأعداد المترددين على العيادات الخارجية في المعهد خلال النصف الأول من العام الماضي، والتي بلغت أكثر من 30 ألف حالة، فيما بلغ عدد المترددين على مختبر التحليل أكثر من 63 ألفاً. أما من سجلوا دخولهم للإيواء فبلغ عددهم 2422 حالة. وتلقى 5011 شخصاً جلسات علاج كيماوي، فيما بلغت الوفيات 116 حالة. العلاج في الخارجالى ذلك، أعلن رئيس جهاز دعم الخدمات العلاجية الدكتور أحمد ليطان أن ما يقارب 16 ألف مريض بالسرطان غادروا البلاد العام الماضي فقط لتلقي العلاج في الخارج، أغلبهم يقبعون في مستشفيات تونس، عازياً إقبال كل هذه الأعداد على الخروج للعلاج خارج ليبيا إلى “النقص في توفير الأدوية بسبب عدم وجود منظومة لحصر أعداد المرضى”. وأكد لـ”النهار العربي” أن السلطات الليبية تعمل على تعاقدات جديدة بكميات من أدوية الأورام حتى تلبي أعداد المرضى المتزايدة، ستصل إلى ليبيا على دفعات خلال الشهور القليلة المقبلة. وأضاف: “كما نعمل على تزويد مراكز الأورام بالأجهزة الإشعاعية اللازمة في العلاج بالتزامن مع إعادة تأهيل مراكز أقفلت خلال السنوات الماضية”.  

 وقبل شهور قليلة نظم عدد من الأطفال المصابين بالأورام، بصحبة ذويهم، وقفة احتجاجية داخل مقر قسم الأطفال في معهد الأورام في مدينة مصراتة (غرب ليبيا)، بسبب نقص الأدوية والعلاج داخل القسم، مطالبين الحكومة بـ”التدخل العاجل وتوفير العلاج”. وأوضحت المصادر الطبية أن ليبيا “تملك ستة مراكز حكومية لعلاج الأورام، منها مركزان يواجهان خطر الإقفال بسبب النقص في الكوادر الطبية والأدوية”. وفي ظل هذا الوضع الصحي المتردي، اضطر آلاف الليبيين الذين يعانون من أمراض مزمنة إلى السفر لتلقي العلاج  في الخارج. وأشارت المصادر الطبية لـ”النهار العربي” إلى أنه “حتى مرضى الأورام الذين يعالجون في الخارج، تركتهم الحكومات المنقسمة من دون تسديد نفقات علاجهم الأمر الذي يهدد حياتهم”. لكن ليطان توقع أن تحسن الإجراءات الصحية الجديدة الوضع الصحي الداخلي وخفض أعداد طلبات العلاج في الخارج، مشيراً إلى أن “كلفة مريض السرطان في الخارج تبدأ من 3000 دولار وتصل إلى أكثر من 50 ألف دولار، وفقاً لحالة المريض وفترة البروتوكول العلاجي، ونسعى إلى توفير تلك المبالغ تدريجياً وتوجيهها إلى تحسين القطاع الصحي”. “أخطاء السنوات السابقة”ودخل رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة على الخط، وأقر بـ”أخطاء جرت خلال السنوات الماضية”، في هذا الملف، مؤكداً أن وضع إصابات السرطان “ليس مبشراً بخير”، قبل أن يعدد أسباب ارتفاع الإصابات ويتساءل: “كيف نبني الأجيال المقبلة ونحن لا نعرف إحصائية عن مرض معين في ليبيا؟”. وقال: “إمكاناتنا محدودة لكن علينا معالجة أخطاء السنوات السابقة من الإهمال الذي اعترى ملف مرضى الأورام”. وأضاف: “لا نريد تكرار أخطاء السنوات السابقة خلال توطين علاج الأورام، بتعيين الأقارب والمعارف في وظائف مهمة وحساسة”. وقدم الاعتذار لكل مرضى السرطان “بسبب ما كنا نمارسه طيلة السنوات الماضية، لذلك نريد أن نغير هذا الواقع”. وشدد الدبيبة على ضرورة معالجة ملف مرضى الأورام معالجة مهنية وجادة، عبر البدء بالكشف المبكر والتوعية وحصر المرضى من خلال منظومة شاملة لكل البيانات وتشخيص الحالات من حيث العلاج في الداخل أو في الخارج. وبالتزامن العمل على تنظيم هذا الملف في كل جوانبه الإدارية والفنية والطبية وأن تكون الأدوية متوافرة ومن شركات عالمية متخصصة وفق حالة كل مريض. أما رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة السرطان فأكد أن السلطات تعمل على خطة لتطويق تزايد معدلات الإصابة بالأورام. ووعد بأن 2024 سيكون عاماً لحلحلة ملف الأورام. وكشف عن تشكيل فريق طبي سيتعاون مع الشركات الطبية الدولية للعمل على كشف أسباب ظهور حالات الأورام في ليبيا، وما إن كان الأمر مرتبطاً بالغذاء أو بالتلوث البيئي، وحتى اللجوء إلى إخضاع بعض العائلات إلى الدراسات الجينية.