اخبار سياسية

السّعودية ترفع سقف التّحدي لإعلامها: التميّز بعد التغيّر

من الحفل الختامي.

بين “المنتدى السعودي للإعلام” و”معرض مستقبل الإعلام” في الرباض، كشفت المملكة العربية السعودية ملامح خطة طموحة لإعلامها، مراهنة عليه شريكاً رئيسياً في النهضة التنموية والسياحية التي تشهدها. وشملت خطتها رؤية تستند إلى تجارب الماضي وتواكب تحوّلات الحاضر وتأخذ في الاعتبار تحديات المستقبل.  ولأن “السعودية قصّة تستحق أن تروى” على حد تعبير رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون محمد بن فهد الحارثي، رفع وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري، ابن المهنة، سقف التحدي في اليوم الأول للمنتدى، بإعلانه 2024 سنة الإعلام السعودي، كاشفاً استراتيجيات عام التحوّل الإعلامي التي تقوم على ركائز أربع هي: الأرقام، والمؤشرات، والشغف، والعمل.  وبالأرقام، صنف الدوسري القطاع الإعلامي بكل منصاته شريكاً اقتصادياً في الناتج المحلي، حيث ساهم بما يعادل 14.5 مليار ريال من الناتج الإجمالي المحلي عام 2023، ومع هدف الوصول إلى 16 مليار ريال في العام الجاري.   وأعطت كلمة الدوسري وخطته الواعدة زخماً ليومين من الندوات استضافت أهل الاختصاص من المملكة ودول عربية وغربية، إضافة إلى باحثين ووزراء وأكاديميين حاولوا تحديد آفاق “الإعلام في عالم يتشكل” (عنوان النسخة الثالثة من المنتدى).  عموماً، بدا المتحدثون هذه السنة أكثر قبولاً للتحولات التي تجتاح عالم الإعلام، وغابت تقريباً الأصوات المصرة على تميز الإعلام التقليدي وتلك المشككة بالإعلام الجديد.  وساد إقرار واسع بضرورة التكيف مع التقنيات الجديدة “لئلا يصبح الإعلاميون كالمحاربين الذين يذهبون إلى الحرب في القرن الحادي والعشرين على الأحصنة، فيما الخصم يستخدم أحدث الأسلحة والعتاد”. وأرخى “شبح” الذكاء الاصطناعي وما يثيره من تساؤلات حول مستقبل الإعلام، بظله على بعض الجلسات. ولكن البارز أن المتحدثين من أجيال مختلفة أجمعوا على أن التكنولوجيا تشكل تحدياً ومكسباً في آن معاً. ولعل أبرز التحديات تأهيل كفاءات بشرية قادرة على التعامل مع هذه التقنيات الجديدة، والمحتوى المضلل الخطير والناجم عن القدرات المتنامية على التزييف العميق، وهو ما سيكون اختباراً صعباً للمؤسسات للحفاظ على صدقيتها في مشهد إعلامي جديد.  وفي المقابل، ظهرت رهانات كثيرة على قدرة هذه التقنية على رفع مستوى العمل الإعلامي وإتاحتها أدوات للصحافيين تسهل مهمتهم وتوسع آفاقها.“فرصة رائعة جداً”وبدا وزير الإعلام والثقافة السعودي السابق عبد العزيز الخضيري متفائلاً بالقدرات التي ستوفرها هذه الثورة الجديدة في مجالات عدة. وقال لـ”النهار العربي”: “حتى اليوم لم ندخل مرحلة الذكاء الاصطناعي بعد، كل ما نراه هو عبارة عن برمجة. الذكاء الاصطناعي قادم والتحديات قادمة وفرصتنا في استثماره لخدمة البشرية رائع جداً في كل المجالات، من المجالات الطبية إلى المجال الأمني”. وقلل من شأن الهواجس التي تثيرها هذه التقنية، قائلاً: “خفنا من الإنترنت على الوظائف، ولكنها خلقت وظائف جديدة وإن تغيرت نوعيتها  وزاد حجمها. قبل 30 سنة كان إنتاج الأفلام صعباً للغاية، اليوم تبدل الوضع كثيراً”. وعن الإعلام السعودي تحديداً، وهل هو مستعد لهذه التطورات، قال: “ما سمعناه من معالي الوزير يظهر أن الإعلام يقود الكثير من التغيرات في المملكة لإيمانه بالنهضة التنموية التي نعيشها اليوم . ويؤكد هذا الأمر أن المجتمع قادر على تقبل التغيير وعلى التكيف معه وإضافة التميز بعد التغيير”. 

 وكان للشباب السعودي حصة وفيرة من رسائل المنتدى. ففيما يعتبر المجتمع السعودي مجتمعاً شاباً حيث يشكِّل من هم دون  سن الـ30 عاماً النسبة الأكبر من سكان المملكة، تبدو الرهانات عليه كبيرة في حقل الإعلام ايضاً، وخصوصاً أنه الأكثر قدرة على التكيف مع التقنيات الجديدة.   رئيس مجلس إدارة “مجموعة إم بي سي” و”العربية” وليد بن إبراهيم آل إبراهيم الذي يعتبر من أقطاب القطاع رأى أن برامج التمكين للمواهب والشباب تؤكد “أننا واصلون إلى مكان مهم جداً”، مضيفاً أن “الشباب السعودي اليوم محظوظ لأنه يعيش في عصر ازدهار الثقافة في المملكة”.وتحدث عن فرص في سوق العمل الإعلامي على كل أراضي المملكة، من خلال مبادرات الإنتاج السينمائي والتلفزيوني. وكشف أن المجموعة تعمل على مشروع يهدف إلى توثيق التاريخ السعودي بداية من الدولة السعودية الأولى وحتى اليوم، وسيتم العمل عليه على مدى 12 عاماً، وسيكون على أجزاء ضمن مشروع عالمي. والأهم بالنسبة إليه أن يكون جميع العاملين على هذا المشروع شباباً وفتيات سعوديين، لأنهم الأعرف بكيف يظهرون أفضل ما في هذا التاريخ”. وفي رأيه أن الشباب السعودي محظوظ جداً “لأنه يعيش في عصر ازدهار الثقافة في المملكة”. عكست الخطط والمشاريع التي عرضت على مدى يومين اعتناق المملكة مفهوماً متطوراً للإعلام، يتجاوز تحديات السوق الإعلانية والمعلنين والمشاهدات.وسلطت جلسة “فن صناعة الترفية” الضوء على أفكار من “خارج الصندوق”. وتحدث الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للترفيه فيصل بافرط عن تطور الشراكات مع “أم بي سي” و”روتانا”، معتبراً أن الإعلام هو أحد العناصر الرئيسية لصناعة الترفيه، وأن الشراكات مع البرامج الترفيهية لا تقل أهمية عن الفعاليات والمهرجانات. …كان المنتدى بيوميه تكريماً للإعلام واقراراً بأهمية دوره في الحرب كما في السلم. ولعل الخلاصة الأبرز أن المحتوى سيبقى الملك، لكن قواعد كثيرة تتغير، والتكيف مع التغيير ضمانة للاستمرار والازدهار.