السّودان: اتّفاق جدّة بوابة عبور إلى تسوية أم إلى نزاع بوتيرة منخفضة؟

1

علي حمادة

علي حمادة

توقيع اتفاق جدة بين ممثلي طرفي الصراع السوداني برعاية سعودية - اميركية

شكل اتفاق جدة بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان و”قوات الدعم السريع” بقيادة أحمد حمدان دقلو “حميدتي”، برعاية سعودية – أميركية، بداية ولو متواضعة من أجل دفع طرفي الصراع إلى تأطير اتفاقات خفض وتيرة النزاع تدريجياً، من خلال إبداء استعدادهما لقبول هدن إنسانية جديدة، وربما لمدد أطول من ذي قبل. كما أنّ قبول الطرفين علناً، بحضور سعودي – أميركي، التزام تنفيذ إجراءات ميدانية لحماية المدنيين للتمييز بينهم وبيين المقاتلين، وبين منشآت أو أهداف عسكرية وأخرى مدنية، والتعهّد بحماية حرية المدنيين خلال تنقلاتهم من مكان إلى آخر، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالخروج من مناطق تشهد قتالاً بين الطرفين، نقاط تدعو عموماً إلى التفاؤل بإمكان الانتقال التدريجي إلى مرحلة أخرى من التفاوض، وإن يكن الطرفان قد أبديا عدم استعدادهما لتقبّل أي تبعات سياسية جرّاء هذا الاتفاق.  وشدّد السعوديون، من جهتهم، على أن الاتفاق هو “خطوة أولى” قد تليها خطوات أخرى. لكنهم حافظوا على سقف منخفض من التفاؤل، وتواضعوا في ما يتعلق بالآفاق المستقبلية، نظراً إلى تعقيدات الصراع الدائر في السودان، وإلى محدودية التأثير الإقليمي الساعي إلى حل سياسي في مجريات، ونظراً بالتحديد إلى صعوبة فرض وقف مستدام لإطلاق النار، من أجل الشروع بعملية سياسية تنهي الصراع الدموي. فواقعية الوسيط السعودي دفعته إلى موقف متحفظ جداً في خضم تشابك مصالح خارجية، إقليمية ودولية في الصراع الدائر، من شأنها أن تجهض أي محاولة جدية لفتح ثغرة في الجدار السميك بين الطرفين. من هنا كان اتفاق جدة محاولة مدروسة من السعوديين في سياق وساطة متدرجة ومتأنية ومنخفضة الوتيرة، في وقت يبدو فيه الطرفان أسيري منطق التصعيد ومحاولة تحقيق مكاسب على الأرض، أو ربما إنهما لا يزالان يراهنان على تحقيق انتصار، الواحد على الآخر.  ولكن اتفاق جدة، على تواضعه، خطوة جيدة، لأنه يشرك الإقليم والمجتمع الدولي (عبر الولايات المتحدة) في عملية ميدانية يمكن أن تمهد لخطوات تفضي إلى حوار فتفاوض سياسي. لكن في الوقت الحاضر يبقى هذا الاحتمال ضعيفاً للغاية، في وقت تبرز فيه تدخلات دولية وإقليمية، كتعاظم دور مرتزقة “ڤاغنر” الروسية بعد نشوب الحرب، وتبلور مصالح متعارضة بين قوى إقليمية على الساحة السودانية. فليس سراً أن لكل من البرهان و”حمديتي” عناصر دعم في الإقليم وخارجه. فالسودان بلد كبير وغني ومحوري في شرق القارة الأفريقية، وهو أيضاً محط أطماع القوى الدولية الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، وهذا وحده كاف لكي يتوقع المراقب تفاقم الصراع جراء التدخلات والدعم الذي تفيد المعلومات بأنه بدأ يتدفق على الطرفين. وغني عن القول أن طرفي الصراع يتصرفان في اللعبة الداخلية بأسلوب الأطراف المافيوية الذي يذكر بالأطراف المافيوية اللبنانية إبان الحرب الأهلية بين 1975 و1990. فلكل من الطرفين شبكات مصالح اقتصادية ومالية مافوية معطوفة عليها طموحات سلطوية. وفي هذا السياق، تختفي العملية السياسية كالاتفاق الإطاري تماماً، وتصبح من الماضي في انتظار حسم الصراع إما بغلبة فريق على آخر، أو بتسوية سياسية بضمانات إقليمية ودولية، أو، وهنا الأخطر، بتفكك الدولة تدريجياً، ومن بعدها تفكك وحدة الكيان السوداني تحت ضغط القتال وبروز صراعات هويات ذات طابع إثني، قبلي وديني، تعيد خلط كل الأوراق داخلياً وخارجياً.  خلاصة القول أن اتفاق السودان خطوة في الاتجاه الصحيح، فهل يكون باباً لتسوية أم لاستمرار الصراع بوتيرة منخفضة، تنسي العالم الصراع كما حصل مراراً في السابق، أكان في السودان أم في القارة الأفريقية؟  

التعليقات معطلة.