الجزء الأول:
الشرق الأوسط على فوهة بركان… والعراق قطب الرحى
الشرق الأوسط اليوم ليس مجرد منطقة صراع، بل بركان هادر على وشك الانفجار، أبخرته تغطي السماء، وألسنة ناره تلتهم الأفق من فلسطين إلى إيران، ومن لبنان إلى العراق. كل خطوة هنا لها ثمن، وكل حركة يراقبها العالم بعين حادة. القوى الكبرى تتحرك في سباق محموم، كل منها يمد يده نحو خيوط هذا الشرق الجديد، حيث القوة هي الحكم، والقانون مجرد ترف.
العراق؟ ليس دولة عابرة في المشهد. هو قطب الرحى الذي تدور حوله كل خطوط النار، نقطة التقاء المصالح، وصراع النفوذ، وموعد التاريخ القادم.
الخلفية والسياق التاريخي
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، المنطقة لم تعرف السلام الحقيقي. كل اتفاق سياسي كان شحنة مؤجلة لصراع أكبر. مع نهاية الحرب الباردة، تحولت المنطقة إلى مختبر نفوذ دولي، والدماء كانت الثمن. سقوط العراق عام 2003 لم يكن حدثًا سياسيًا عابرًا، بل فتح الباب أمام إيران للتمدد عبر ميليشياتها، مستفيدة من فراغ القوة الذي تركته واشنطن. منذ ذلك الوقت، العراق لم يعد لاعبًا فاعلًا، بل ساحة تصفية حسابات وصراع نفوذ، حيث كل خطوة محسوبة بدقة.
الواقع الحالي
المنطقة اليوم على شفا مواجهة شاملة. حرب غزة – إسرائيل أنهكت الجبهات، وأوراق اللعبة تتغير بسرعة. تل أبيب تبحث عن حسم إقليمي يغير قواعد اللعبة، وقد وجدت في طهران الهدف التالي بعد استنفاد جبهات الوكلاء. الولايات المتحدة تحاول شراء الوقت حتى ما بعد الانتخابات النصفية، بينما بريطانيا وإسرائيل يضعان خططًا لإعادة ضبط ميزان القوى وإيقاف التمدد الإيراني، وإعادة العراق إلى مركز القرار الإقليمي.
العراق هنا ليس مجرد نقطة على الخريطة. حدوده المتوترة، عمقه الاستراتيجي، موقعه بين التوتر الأميركي – الإيراني، تجعل منه محور كل تحرك، وقلب كل نار، وقطب الرحى الذي يحدد مسار المنطقة. أي حركة داخله، مهما صغرت، يمكن أن تشعل المنطقة بأكملها.
التداعيات والاستنتاجات
مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران ستترك العراق في قلب العاصفة. الضربات غير المباشرة، اشتعال الفصائل، وانهيار الأمن الداخلي، كلها سيناريوهات محتملة لا يمكن تجاهلها. ومع ذلك، العراق يمتلك القدرة على التحول إلى نقطة توازن إذا استعاد قراره الوطني وفتح أبواب الشراكات الإقليمية والدولية التي تحمي مصالحه، دون أن يصبح ملعبًا لصراعات الآخرين.
المستقبل والخيارات الممكنة
الشرق الأوسط مقبل على تحولات كبرى ومفصلية. الصراع لم يعد مجرد نفوذ، بل معركة على هوية المنطقة: من يضع قواعدها، ومن يرسم حدودها. العراق، بموقعه الاستراتيجي ووزنه البشري والاقتصادي، قادر على الانتقال من ساحة نزاع إلى محور توازن، إذا تحرر من القيود الإيرانية واستعاد دوره التاريخي كدولة مركزية في المعادلة العربية والإقليمية.
الشرق الأوسط على فوهة بركان، والعراق في قلبه تمامًا. هو قطب الرحى الذي سيحدد اتجاه دوران التاريخ القادم: انفجار شامل يلتهم كل شيء، أم نظام جديد يولد من رماد الحروب ليعيد رسم المنطقة؟
(يتبع غدًا في الجزء الثاني: من غزة إلى طهران… الطريق إلى معادلة الشرق الأوسط الجديدة)