الشرق الأوسط.. ماذا وإلى أين؟

12

 

 

الجزء الثاني عشر:

 

العراق بين الانتفاضة الشعبية والمشروع الدولي للتغيير

 

يبدو أن العراق يقف اليوم على عتبة التحول الأكثر عمقاً في تاريخه الحديث، حيث تتقاطع إرادة الشارع الغاضب مع مشاريع دولية كبرى تبحث عن إعادة تشكيل المنطقة من جديد. فبين انتفاضة شعبية تبحث عن الكرامة والسيادة، ومشروع دولي يسعى لتفكيك منظومة الفساد والتبعية، يتشكل مشهد جديد يُنذر بولادة عراق مختلف… عراق ما بعد المنظومة التي حكمت منذ 2003.

 الشارع الذي لم يمت

منذ انتفاضة تشرين، لم يعد العراقي كما كان. فذاك الوعي الشعبي الذي خرج متحدياً الرصاص، لم ينطفئ، بل تراكم في الذاكرة الجمعية وتحول إلى وعي ثوري هادئ ينتظر لحظة الانفجار القادمة. جيل تشرين لا يملك حزباً ولا راعياً، لكنه يملك المشروعية الأخلاقية والسياسية التي افتقدتها كل الطبقة الحاكمة. لقد سقطت الأقنعة، وانكشفت لعبة السلطة التي بُنيت على المحاصصة والولاءات الخارجية.

الانتفاضة القادمة كما يراها المراقبون لن تكون عفوية هذه المرة، بل منظمة، واعية، ومحمية دولياً، تحمل مشروعاً وطنياً يتجاوز الشعارات إلى بناء نظام جديد يعبّر عن إرادة العراقيين لا عن إرادة الخارج.

 المشروع الدولي للتغيير

المجتمع الدولي لم يعد قادراً على تجاهل العراق، فاستمرار الفساد والهيمنة الخارجية جعل من هذا البلد ثغرة استراتيجية تهدد الاستقرار الإقليمي. الولايات المتحدة، رغم ترددها، تدرك أن معادلتها القديمة — التي منحت إيران اليد العليا في العراق فشلت، فيما ترى بريطانيا أن التغيير بات ضرورة لإعادة التوازن إلى الشرق الأوسط.

من هنا بدأت تتبلور ملامح مشروع دولي جديد يقوم على:

إعادة الشرعية إلى الشارع العراقي عبر دعم التحركات السلمية المنظمة.

تهيئة بيئة سياسية جديدة تطيح بالنظام الطائفي وتؤسس لدولة مدنية.

تحييد الميليشيات والسلاح المنفلت تحت غطاء دولي وإقليمي.

تفعيل أدوات العدالة والرقابة الدولية على المال العام والموارد الوطنية.

هذا المشروع لا يُطرح بوصفه وصاية خارجية، بل كـ شراكة لحماية التحول الديمقراطي الحقيقي الذي حُرم منه العراقيون منذ عقدين.

 بين الثورة والإصلاح

المفارقة أن الطبقة السياسية الحاكمة — رغم ضعفها — لا تزال تراهن على الوقت والمناورة، غير مدركة أن الزمن لم يعد يعمل لصالحها. العالم يتغير، والمزاج الشعبي يغلي، والغطاء الدولي الذي حماها بدأ يتآكل. لذلك فإن الخيارين المطروحين أمامها اليوم هما: إما الانخراط الطوعي في مشروع التغيير، أو المواجهة الحتمية مع انتفاضة شعبية مدعومة بغطاء دولي لن يتساهل مع قمعها هذه المرة.

 العراق في قلب التحول الإقليمي

التحول في العراق لن يكون حدثاً محلياً، بل نقطة الانطلاق لإعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد. فالعراق القوي والمستقل هو وحده القادر على كبح النفوذ الإيراني، وضمان توازن العلاقة مع الخليج وتركيا، وفتح الباب لتسوية إقليمية شاملة تعيد الاستقرار إلى المنطقة .

قد يتأخر الانفجار، لكن التحول قادم لا محالة. الإرادة الشعبية الناضجة، والدعم الدولي المتزايد، والتراجع الحاد في شرعية الطبقة الحاكمة… جميعها مؤشرات على أن العراق يتجه إلى ولادة جديدة. ولادة دولة وطنية، حديثة، متصالحة مع شعبها، ومتصلة بالعالم لا تابعة له.

 

 

يتبع يوم الاحد القادم الجزء الثالث عشر:

 مبعوث ترامب إلى العراق جاء معززًا بالحشود العسكرية وفشلٍ سياسي عراقي وقرارٍ بانتزاع العراق من النفوذ الإيراني

التعليقات معطلة.