الجزء التاسع والثلاثون
توترات إسرائيلية–إيرانية وفوضى محتملة في العراق
لماذا تتجمع الصراعات حول الشرق الأوسط؟
لم يكن الشرق الأوسط يومًا مجرد مساحة جغرافية، بل كان ولا يزال مركزًا تدور حوله الصراعات الدولية والإقليمية. فالمنطقة تحمل ثلاث حقائق ثابتة تجعلها الأكثر اشتعالًا في العالم:
جغرافيا تتحكم بالعالم: من مضيق هرمز إلى باب المندب وقناة السويس، ومن المتوسط حتى الخليج، يمتلك الشرق الأوسط شرايين التجارة العالمية ومنافذ الطاقة التي لا يعيش الاقتصاد الدولي من دونها.
ثروات تُغري القوى الكبرى: أكثر من نصف احتياطي النفط العالمي والغاز الطبيعي يتركز هنا، ما يجعل أي تغيير سياسي أو عسكري في المنطقة قادرًا على هزّ الأسواق الدولية خلال ساعات.
هشاشة سياسية وعمق تاريخي متفجّر: دول خرجت من استعمار، وحدود صُنعت بالمقص، وأنظمة ترتكز على الولاءات لا المؤسسات، مع تداخل قومي وديني ومذهبي يضمن أن أي خلاف صغير قد يتحول إلى نار كبيرة.
لهذه الأسباب مجتمعة، أصبح الشرق الأوسط مسرحًا مفتوحًا: قوى تتصارع، وأخرى تتنافس، وثالثة تبحث عن موطئ قدم، فيما الشعوب تدفع ثمنًا لا ينتهي. وفي قلب هذه الدوامة، يقف العراق أكثر الدول هشاشةً أمام رياح الصراع الإيراني الإسرائيلي المتصاعد .
التصعيد بين إسرائيل وإيران لم يعد مجرد حرب ظل، بل تحوّل إلى اشتباك معلن بأدوات واضحة. إسرائيل ترى أن الوقت حان لـ“حسم الخطر الإيراني”، وإيران تردّ عبر ساحاتها الخلفية حيث تستطيع، خصوصًا في العراق ولبنان واليمن .
لكن العراق تحديدًا أصبح الحلقة الأضعف والأقرب للاشتعال.
العراق.. ساحة لا لاعب
منذ 2003، لم يستعد العراق سيادته الكاملة، بل أصبح نقطة التقاء وصدام بين مشاريع الآخرين. ومع كل توتر إسرائيلي–إيراني، يجد العراق نفسه تحت المطر:
ضربات في الشمال
استهداف منشآت الطاقة
نشاط مضطرب للفصائل المسلحة
ارتباك رسمي لا يخفي هشاشة الدولة
هذا المشهد يكشف حقيقة مرة: العراق اليوم ليس طرفًا في الصراع، لكنه يدفع أثمانه كما لو كان طرفه الأساسي.
الولايات المتحدة… خطاب مرتفع وسياسة حذرة
عودة واشنطن بوجهها الترامبي لم تغيّر المعادلة حتى الآن. هناك تهديدات، هناك مبعوث يلوّح، وهناك لغة سياسية جديدة، لكن الفعل ما يزال محكومًا برغبة أمريكية قديمة: إبعاد إيران دون الدخول في حرب مباشرة معها.
ومن هنا تبدأ مساحة الفوضى التي تتحرك فيها الفصائل المتحالفة مع طهران، فتتقدم خطوة وتتراجع أخرى، بانتظار اتجاه الرياح.
هل نحن أمام مرحلة جديدة؟
التوتر الإسرائيلي–الإيراني لا يبقى فوق الطاولة. تداعياته تنزل بسرعة إلى أرض العراق:
منشآت تُقصف
رسائل تتبادلها الأطراف بالنار
ومشهد سياسي مأزوم يبدو عاجزًا عن استيعاب أي صدمة جديدة .
الأخطر أن البيئة العراقية اليوم ناضجة لأي انفجار: ضعف الدولة، انعدام الثقة الشعبية، اقتصاد هش، وانقسام طبقي وسياسي وطائفي يتعمق يومًا بعد آخر.
ولهذا تبدو الفوضى المحتملة ليست احتمالًا… بل سيناريو قد يبدأ بضربة واحدة في الزمان الخطأ .
ما يجري اليوم ليس نهاية مرحلة، ولا بداية حسم، بل فصل جديد من فصول صراعٍ أكبر يعيد تشكيل الشرق الأوسط وفق خرائط لم تكتمل بعد.
العراق يقف في مركز الإعصار، واللاعبون الكبار يختبرون حدود القوة والنفوذ. أما الإجابات فتبقى مؤجلة…
فالسؤال سيظل مفتوحًا ما دمنا نكتب هذه السلسلة: الشرق الأوسط… ماذا وإلى أين؟
يتبع غدا الجزء الاربعون :”من كراكاس إلى طهران وبغداد… اللعبة انتهت”

