الشرق الأوسط… ماذا وإلى أين؟

19

 

 

الجزء الأربعون:

 

من كراكاس إلى طهران وبغداد… اللعبة انتهت

 

في الشرق الأوسط، الزمن لم يعد يمشي… بل يتساقط. والمنطقة لم تعد ساحة صراع فقط، بل مساحة تُكشَف فيها حقيقة المشاريع التي طالما تزيّنت بالشعارات. من كراكاس إلى طهران وبغداد، نحن أمام انكشاف تاريخي: مشاريع كانت تبدو صلبة، فإذا بها تتهاوى طبقة بعد أخرى، كأنها لم تُبنَ أصلًا على أرض ثابتة.

 

كراكاس… الشرارة الأولى لنظامٍ ينهار واقفًا

النظام الفنزويلي لم يسقط بعد، لكنه يعيش انهيارًا بطيئًا يشبه سقوط جدار يتشقق بالحجارة لا بالهدم المباشر. المشروع البوليفاري، الذي قدّمه تشافيز كـ“ثورة للشعوب”، بدأ ينهار من الداخل:

اقتصاد يستنزف ما تبقى من النفط،

تحالفات خارجية لا تصلح لإنقاذ،

خطاب ثوري بلا قدرة حقيقية،

وميليشيات مهمتها حماية السلطة قبل الدولة.

كراكاس ما زالت واقفة… نعم، لكنها تقف على أنقاض مشروع يتداعى بأبطأ ما يمكن، ليمنح العالم درسًا قاسيًا: ليس كل نظام يبقى واقفًا هو نظام حيّ.

وهذا التآكل هو أول موجة ارتدادية لما سنراه في عواصم أخرى تشبهها في المنهج والأدوات.

 

طهران… مركز اللعبة يتشقق

طهران التي بنت نفوذها على معادلة “تكلفة قليلة… نفوذ كبير” تكتشف أن حساباتها القديمة لم تعد تعمل. العقوبات تخنق، الاحتجاجات تشتعل، التمويل ينهار، وأذرع خارجية تُستهدف بضربات موجعة لا تستطيع إيران ترميمها.

المشكلة ليست في الأطراف التي تتساقط، بل في المركز نفسه الذي يفقد قوته الضابطة. الفصائل التي كانت أدوات تمدد تحولت إلى عبء، والمشروع الإقليمي الذي كان يُروَّج له كقوة صاعدة أصبح اليوم عبئًا استراتيجيًا على طهران.

إنه تشقق واضح… ومحاولة تأجيل الانهيار لا تغيّر حقيقة أنه بدأ.

 

بغداد… المرآة التي لا ترحم

العراق، كما دائمًا، يكشف الحقيقة قبل أن تعترف بها العواصم. الفصائل التي تضخمت تحت مظلة إيران تجد نفسها اليوم في أضيق لحظة تاريخية: لا شارع، لا غطاء خارجي، ولا مركز إقليمي قادر على الإنقاذ.

واشنطن تغيّر قواعد اللعبة، المنطقة تعيد رسم خرائطها، وطهران منشغلة بإطفاء حرائقها.

أما الحكومة العراقية فواقفة في منتصف العاصفة، بلا قرار وبلا أدوات، تراقب الجميع يتهاوى وتخشى أن تكون المرحلة المقبلة أقسى مما تتصور.

 

الجميع يعلم… لكن لا أحد يعترف

الأطراف جميعها تتصرف كأن الزمن ما زال يشتغل لصالحها، لكن الوقائع تقول العكس:

مشروع طهران يتآكل من الداخل.

الفصائل تفقد شرعيتها وحصانتها.

الدولة العراقية بلا قوة فعلية.

الولايات المتحدة تعود بخطاب مختلف وإيقاع مختلف.

والمرحلة المقبلة تُغلق أبوابها بوجه الجيوش غير الرسمية.

ما يحدث ليس “تغيير تكتيك”… بل انهيار منظومة كاملة حافظت على بقائها بالشعارات والوكلاء والتحالفات الهشة.

 

النهاية… تقترب وإن كانت بطيئة

من كراكاس إلى طهران وبغداد، الخط واحد: كل مشروع لا يحتمي بوطنه… يتهاوى عند أول اهتزاز.

الاهتزاز بدأ، والتشققات تتسع، والزمن الذي كان يُطيل عمر هذه المشاريع لم يعد موجودًا.

اللعبة لم تنتهِ بضربة واحدة… بل تنتهي الآن بالتآكل البطيء.

 

يتبع يوم السبت القادم الجزء الحادي والاربعون: “نهاية الحرب الروسية–الأوكرانية وانعكاساتها على تشكيل الشرق الأوسط الجديد”

التعليقات معطلة.