الجزء السابع والأربعون:
مَن المستفيد الأكبر من انهيار الدور الإيراني؟ وما شكل النظام الإقليمي القادم؟
كلّما ضاقت الدائرة على طهران، وكلما تراجعت أذرعها في العراق ولبنان وسوريا واليمن، برز سؤال مصيري يحدد شكل الشرق الأوسط القادم: مَن المستفيد من انهيار الدور الإيراني؟ وهل نحن أمام شرق أوسط جديد يولد على حساب سقوط مشروع 1979؟
الإجابة ليست دولة واحدة… بل منظومة كاملة يجري بناؤها الآن بصمت، لكنها تزداد وضوحاً مع كل ضربة تُوجَّه إلى ذراع إيرانية، ومع كل مساحة نفوذ تفقدها طهران.
أولاً: إسرائيل… المستفيد الذي لا يُخفي فرحته
انهيار النفوذ الإيراني يعني:
انهيار حزب الله، أكبر تهديد غير دولتي لإسرائيل.
انكفاء الميليشيات في سوريا والعراق، التي شكلت طوق ضغط طويل الأمد على إسرائيل.
سقوط مفهوم “الجبهة الواحدة” التي بنتها إيران حول تل أبيب.
تحول إيران من لاعب مُشاغب إلى دولة محاصَرة منشغلة بأزماتها الداخلية.
إسرائيل اليوم ترى أن “زمن إيران” انتهى، وأن اللحظة الحالية هي اللحظة الذهبية لإعادة تشكيل الإقليم لصالحها.
ثانياً: دول الخليج… خاصة السعودية والإمارات
انهيار الدور الإيراني يحقق للخليج ثلاثة مكاسب استراتيجية:
1. سقوط التهديد الطائفي
الذي لطالما أرهق الخليج، وأشعل ساحاته الخلفية.
2. فتح الباب أمام نظام إقليمي تعددي جديد
بدون وجود “ممر شيعي” يمر عبر العراق وسوريا ولبنان.
3. استقرار خطوط الطاقة
مع انتهاء تهديد المليشيات البحرية والصاروخية الإيرانية.
الخليج يرى أن ضعف إيران هو شرط لاستقرار المنطقة واستمرار النمو الاقتصادي.
ثالثاً: العراق… المستفيد الأكبر
سقوط النفوذ الإيراني عن العراق لا يعني فقط انتهاء الميليشيات… بل يعني عودة العراق إلى حجمه الطبيعي في المنطقة.
العراق اليوم يقف على أعتاب تحول تاريخي:
التحرر من القرار الإيراني.
استعادة هويته السياسية.
عودة الدولة بدل اللادولة.
إمكانية الانفتاح على تحالفات عربية ودولية جديدة.
فرصة ليصبح “محوراً” لا “ساحة”.
إذا نجح العراق في اغتنام اللحظة، فسيكون أكبر الرابحين.
رابعاً: الولايات المتحدة… اللاعب الذي يعيد ترتيب كل شيء
انسحاب الدور الإيراني يترك فراغاً لا يمكن أن يُملأ إلا من طرفين:
واشنطن
أو قوى دولية منافسة (روسيا والصين)
لذلك تعمل الولايات المتحدة على:
تفكيك الميليشيات في العراق.
ضرب التمويل الإيراني في فنزويلا.
تجفيف قدرات حزب الله.
ضبط سوريا من الجو.
منع روسيا من التمدد.
منع الصين من الاستثمار في “إيران المنهارة”.
أمريكا تريد شرقاً أوسط مستقراً… ولكن تحت سقفها. وليس شرقاً فوضوياً كما كان في عهد التمدد الإيراني.
خامساً: القوى العربية الجديدة… مصر والأردن والعراق
هناك مشروع يتشكل بهدوء: تحالف عربي-مشرقي مدعوم أمريكياً لموازنة تركيا وإيران.
هذا التحالف سيقوم على:
أمن حدود مشترك.
اقتصاد تكاملي.
دور إقليمي موحد.
حماية ممرات الطاقة.
دعم “الدولة المركزية” ضد الميليشيات.
انهيار الدور الإيراني يفتح الباب أمام عودة الدولة العربية كفاعل مركزي.
سادساً: تركيا… مستفيد ولكن بحسابات دقيقة
تركيا تستفيد من تراجع إيران في:
العراق (النفوذ الاقتصادي والأمني).
سوريا (إعادة ترتيب الشمال).
التنافس على ملفات الطاقة.
لكن تركيا لا تريد انهيار إيران إلى حد الفوضى، لأنها لا تريد حدوداً متفجرة تقود إلى لجوء وفوضى في شمالها.
سابعاً: أوروبا… المستفيد الصامت
أوروبا، رغم ضعفها السياسي، هي أكبر مستفيد من:
استقرار الطاقة.
توقف التهديد النووي الإيراني.
تراجع الميليشيات التي كانت تهدد الملاحة.
توازن إقليمي جديد يمكن التعامل معه.
أوروبا تحتاج “شرق أوسط بلا إيران”، لأنها لا تملك القدرة على مواجهة نسخ أخرى من حرب غزة أو اليمن أو المضيق.
ثامناً: من الخاسر الأكبر؟ طهران أم مشروعها؟
الخاسر الأكبر ليس طهران كعاصمة فقط… بل مشروع 1979 الذي بُني على:
ميليشيات
طائفية
اقتصاد ظل
تصدير الثورة
الاستثمار في الفوضى
سياج نووي يهدد الجميع
هذا المشروع لم يعد قابلاً للاستمرار.
ما شكل الشرق الأوسط القادم بعد سقوط الدور الإيراني؟
1. شرق أوسط بلا ميليشيات عابرة للحدود
تنتهي فيه “مرحلة السلاح خارج الدولة”.
2. عودة الدول المركزية (العراق، مصر، السعودية)
بدل الدويلات والمناطق الرمادية.
3. اصطفاف عربي – إسرائيلي – أميركي
ضد إيران وتركيا وروسيا والصين.
4. انتهاء “الهلال الإيراني” وظهور “محور استقرار جديد”
يمتد من الرياض إلى بغداد إلى عمان إلى أبوظبي.
5. تقاسم نفوذ أميركي إسرائيلي واضح
في ملفات الأمن الإقليمي.
6. دول عربية على أبواب نهضة اقتصادية عملاقة
بعد انتهاء ضغط الحروب والفوضى .
انهيار الدور الإيراني لا يغيّر فقط ميزان القوى… بل يغيّر فلسفة الشرق الأوسط بالكامل.
نحن أمام انتقال تاريخي من: “شرق أوسط تحكمه مشاريع الثورة والميليشيا” إلى: “شرق أوسط تحكمه الدولة والتحالفات الكبرى”.
والمشهد الآن يقول بوضوح: ما بعد إيران… هو شرق أوسط جديد يولد بالفعل، وليس مجرد نظريات.
يتبع غدا الجزء الثامن والربعون: “هل ستسقط إيران من الداخل أم من الخارج؟ وما السيناريو الأرجح لانهيار النظام؟”

