الشرق الأوسط… ماذا وإلى أين؟

6

 

 

الجزء الخمسون: 

 

الشرق الأوسط أمام لحظة الانفجار البطيء… والمرحلة التي لن ينجو منها إلا من فهم قواعد اللعبة الجديدة

 

الخاتمة – لحظة التحول التي لا تعود بعدها المنطقة كما كانت

 

بعد تسعةٍ وأربعين جزءاً من تفكيك المشهد الإقليمي، وتحليل التحولات العميقة، ورصد حركة اللاعبين الكبار والفرعيين، لم يعد السؤال الجوهري: إلى أين يتجه الشرق الأوسط؟ بل أصبح السؤال الأكثر دقة وواقعية: من سيبقى واقفاً عندما تُعاد هندسة الموازين بصورة نهائية؟

فالمنطقة تقف اليوم أمام أخطر مرحلة تمرّ بها منذ قرن كامل؛ مرحلة يمكن توصيفها بوضوح شديد:

الانتقال القسري من نظامٍ إقليمي مُنهَك… إلى نظام جديد يُعاد تشكيله بالقوة، لا بالتوافق.

هذه ليست أزمة سياسية عابرة، ولا صراع نفوذ تقليدياً، بل لحظة تاريخية تتقاطع فيها مسارات كبرى:

إعادة تموضع النفوذ الأميركي

انتهاء الوظيفة الإقليمية للمشروع الإيراني

تفكك أدوار الفصائل المسلحة

تراجع صلاحية القوى التقليدية

صعود محاور أمنية جديدة

احتدام المعارك غير المعلنة في البحر والجو والفضاء السيبراني

والاستعداد لحرب قد لا تقع… لكنها تتحكم بكل ما سيقع بعدها

 

أولاً: إيران… نظام لن يُسقطه أحد، لكنه سيسقط حين تنتهي وظيفته

لقد أثبتت الشهور الماضية أن واشنطن لا تعمل على إسقاط النظام الإيراني بضربة مباشرة، لكنها تتبع مساراً أكثر عمقاً وأشد فاعلية، يقوم على:

تجفيف مصادر القوة

تفكيك البنية النووية

محاصرة الأذرع الإقليمية

قطع مسارات التمويل

ضرب النفوذ الممتد من بغداد حتى كركاس .

النتيجة ليست انهياراً مفاجئاً، بل دخول النظام الإيراني مرحلة الخطر الداخلي الشامل؛ مرحلة يتآكل فيها من الداخل بعدما انتهت وظيفته في المعادلة الدولية.

سقوط هذا النظام، إن وقع، لن يكون نتيجة قرار أميركي مباشر، بل ثمرة حتمية لانتهاء الحاجة إليه، وتحوّله من أداة إلى عبء. وهنا يصبح السقوط مسألة وقت، لا سيناريو افتراضياً.

 

ثانياً: العراق… من ساحة صراع إلى مركز ارتكاز إقليمي

أكبر خطأ تحليلي اليوم هو الاستمرار في النظر إلى العراق بوصفه «ساحة صراع». هذا الوصف أصبح متقادماً. العراق تحوّل إلى نقطة ارتكاز في معادلة ما بعد إيران، والمكان الذي يُعاد عبره ترتيب موازين القوى في المنطقة.

منذ منتصف 2024، شهد المشهد العراقي تحولات حاسمة:

انتهت وظيفة الميليشيات في فرض المعادلة، حتى وإن بقيت بقايا يمكن احتواؤها لا حكمها

انكسر المشروع الإيراني سياسياً ووظيفياً

عاد الحضور الأميركي بلا منافسة حقيقية

توقفت الهجمات بوصفها أداة ضغط

انتقل المشهد من الفوضى إلى هندسة مقصودة

العراق لم يعد هامشاً في أي معادلة مقبلة، بل شرطاً أساسياً لأي نظام أمني عربي جديد. ومن لا يدرك هذه الحقيقة، سيجد نفسه خارج سياق التاريخ القادم.

 

ثالثاً: إسرائيل… إعادة بناء البيئة لا مجرد الدفاع

إسرائيل اليوم لا تتحرك بمنطق رد الفعل، بل بمنطق إعادة تشكيل البيئة المحيطة بها:

ضربات دقيقة محسوبة

رسائل سياسية وعسكرية واضحة

إعادة رسم خرائط النفوذ

ضغط منظم على الأطراف

استثمار كامل في مرحلة ما بعد إيران

هذا التحول يفرض على الدول العربية إعادة تعريف مواقعها، لأن النظام الإقليمي القادم لن يقبل بالحياد، ولن يسمح بالوقوف في المنتصف.

 

رابعاً: الخليج ومصر والأردن والعراق… نواة المحور الأمني العربي

تشكّل هذا المحور لم يعد خياراً سياسياً، بل شرط بقاء. فالعالم يتجه نحو صدامات كبرى، وأي دولة عربية خارج هذه الترتيبات ستجد نفسها وحيدة أمام ارتدادات تفوق قدرتها على الاحتمال.

المرحلة القادمة لا تُدار بالخطاب، ولا بالاستعراض الإعلامي، ولا بالمناورات التقليدية؛ إنها مرحلة أمنية صِرفة، تُقاس فيها الدول بقدرتها على الاندماج في منظومات حماية لا شعارات سيادة فارغة.

 

خامساً: الخطر الحقيقي… الفراغ بين الحروب

الشرق الأوسط لا يخشى الحرب الكبرى؛ فقد عاشها مراراً. الخطر الحقيقي يكمن في الفراغ الاستراتيجي بين الحروب.

هذا الفراغ هو الذي:

أسقط أنظمة

غيّر خرائط

أطاح بمشاريع

وفتح الأبواب لتدخل خارجي بلا سقوف

وهو ذاته الفراغ الذي تستعد له القوى الفاعلة اليوم، كلٌّ وفق قدرته على الفهم والتكيّف.

 

سادساً: القاعدة الجديدة للشرق الأوسط

في النظام الإقليمي القادم، الذي سيولد من رماد النفوذ الإيراني ومن إعادة تموضع أميركا، هناك قاعدة واحدة حاكمة:

لن ينجو إلا من قرأ التحول مبكراً.

من يراهن على بقاء المعادلات القديمة سيسقط. من يعتقد أن إيران ستعود إلى ما كانت عليه، سيخسر كل شيء. ومن يظن أن واشنطن ستسمح بعودة الفوضى، فهو لا يفهم لحظة 2026.

الخاسر الأكبر سيكون من يردّد خطاب الأمس ويحاول العيش بقواعد ما قبل التغيير.

 

الخاتمة: نهاية السلسلة… وبداية الحقبة

بهذا الجزء تُختتم سلسلة «الشرق الأوسط… ماذا وإلى أين؟»، لا بوصفها نبوءة، بل قراءة لمسار قوى وتحولات كبرى. ما يجري في المنطقة لا ينتهي هنا، بل يبدأ الآن.

الشرق الأوسط يدخل مرحلة الانفجار البطيء؛ انفجار لا يُسمع صوته، لكن تُرى نتائجه على الخرائط والأنظمة والتحالفات.

ما سيأتي أكبر مما مضى. والمعادلة القادمة لن تكون رحيمة. ومن لا يتغيّر… ستغيّره القوة.

أما النخب، قبل الأنظمة، فإما أن تفهم هذه اللحظة… أو تكون أول ضحاياها.

التعليقات معطلة.