الشرق الاوسط: ماذا وإلى أين؟

6

 

 

الجزء الثالث عشر:

 

مبعوث ترامب إلى العراق جاء معززًا بالحشود العسكرية وفشلٍ سياسي عراقي وقرارٍ بانتزاع العراق من النفوذ الإيراني

 

في لحظة مشبعة بالتوتر الإقليمي والتحركات العسكرية الأمريكية المكثفة في الشرق الأوسط، سيصل مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى بغداد، لا كدبلوماسي عادي، بل كمؤشر على مرحلة جديدة في التعاطي الأمريكي مع العراق. الزيارة ليست بروتوكولية، ولا تحمل نوايا التهدئة، بل تأتي محمولة على صخب حاملات الطائرات ومؤشرات الانفجار في المنطقة.

الإدارة الأمريكية بنسختها “الترامبية” لا تؤمن بسياسة تدوير الزوايا. منطقها واضح: الصدمة وإعادة صياغة المعادلات بالقوة. ولهذا جاء المبعوث الجديد بلا خبرة تفاوضية، وبلا تجربة دبلوماسية حقيقية. المهمة ليست بناء الثقة، بل إفشال المنظومة التي كرّست النفوذ الإيراني داخل العراق منذ عام 2003.

منذ سقوط بغداد وحتى اليوم، ظل العراق ساحة مفتوحة لتجاذب القوى الإقليمية والدولية. لكن ما كان يجري في الخفاء صار اليوم معلنًا. واشنطن لم تعد تتحدث بلغة “الشراكة”، بل بلغة “الانتزاع”. الهدف واضح: انتزاع العراق من قبضة طهران وإعادة رسم ملامح الدولة العراقية بما يتناسب مع مشروع ترامب لإعادة ترميم النفوذ الأمريكي في المنطقة بعد سنوات من الانكماش والارتباك.

الولايات المتحدة ترى أن الطبقة السياسية العراقية وصلت إلى طريق مسدود. العملية السياسية التي صممها بول بريمر تحولت من أداة حكم إلى عبء استراتيجي، ومن تجربة ديمقراطية إلى منظومة فساد وانقسام . لذلك لم يعد المطلوب إصلاحها، بل تفكيكها وإعادة تركيبها وفق معادلة جديدة تمنع إيران من أن تبقى اللاعب الأقوى في بغداد.

وجود الحشود العسكرية في المنطقة ليس إجراء عابرًا. إنها رسالة مزدوجة: لإيران أولًا، وللنخبة العراقية ثانيًا. واشنطن تدرك أن أي تغيير جذري في العراق لا يمكن أن يتم عبر صناديق الانتخابات أو الحوارات الشكلية، بل عبر فرض واقع جديد يُسقط “العملية السياسية” بكل رموزها ويهيئ الأرضية لنظام وطني أقل تبعية وأكثر انفتاحًا على الغرب.

المبعوث الأمريكي الجديد إذن ليس مجرد مبعوث. إنه رأس حربة سياسية لمشروع يتجاوز حدود الدبلوماسية التقليدية. العراق اليوم أصبح مركز اختبار لإرادة ترامب في فرض توازن إقليمي جديد، يعيد رسم خارطة النفوذ من الخليج إلى المتوسط، ويضع حدًا للدور الإيراني الذي تمدد تحت مظلة “العملية السياسية” الفاشلة.

لقد أدركت واشنطن أن العراق — بما يمثله من موقع وثروات وتأثير — لا يمكن تركه أسيرًا لعواصم القرار في طهران. استعادة بغداد إلى الفلك الأمريكي لن تتم عبر السفراء أو التصريحات، بل عبر قرارات صادمة ومبعوثين يجيدون التنفيذ أكثر من التفاوض.

وهكذا، تبدو زيارة المبعوث الأمريكي الجديدة — وسط حشود بحرية وجوية أمريكية وتوتر إقليمي متصاعد — إعلانًا عن بداية فصل جديد في الصراع على العراق. فهل ستنجح بغداد في استعادة هويتها الوطنية المنهوبة؟ الأيام القادمة تحمل الإجابة.

 

 يتبع غدا “ترامب والعراق: المبعوث الأمريكي وقطع إرث الديمقراطيين”

التعليقات معطلة.