الشعب البديل أم الشعب الأصيل: من يصنع التغيير؟

10

 

 

في ظل تصاعد الغضب الشعبي واتساع رقعة الوعي الوطني، تجد الطبقة الحاكمة في العراق نفسها أمام تحدٍّ وجودي غير مسبوق. فبعد سنوات من الفساد والإخفاقات السياسية والاقتصادية، لم يعد بمقدورها كسب ثقة العراقيين، الذين باتوا يرون في استمرارها كارثة تهدد مستقبل البلاد. لكن بدل أن تواجه هذه الطبقة الأزمة بإصلاحات جذرية أو حتى تنازلات تحفظ الحد الأدنى من الاستقرار، لجأت إلى تكتيك أكثر خطورة وأبعد أثرًا من مجرد القمع السياسي أو تزوير الانتخابات: 

 

إعادة تشكيل الهوية الوطنية من خلال إحلال شعب جديد مكان الشعب الأصيل.

التغيير الديمغرافي كسلاح للبقاء

لم تعد محاولات البقاء في السلطة مقتصرة على التلاعب بالقوانين أو قمع المعارضين، بل انتقلت إلى مستوى أكثر عمقًا وأطول مدى: الهندسة الديمغرافية المتعمدة. فمنح الجنسية العراقية لملايين الأجانب من الهند وأفغانستان وإيران ودول أخرى لم يكن خطوة عشوائية أو إجراء إداريًا عاديًا، بل استراتيجية مدروسة تهدف إلى خلق قاعدة ناخبة بديلة، تضمن ولاءها للسلطة الحاكمة مقابل الامتيازات التي حصلت عليها.

هذه الخطوة لم تأتِ من فراغ، بل جاءت بعد أن أدركت القوى الحاكمة أن الشعب العراقي الأصيل لم يعد قابلًا للخداع، ولم يعد يرى فيها سوى عائق أمام مستقبل البلاد. فمنذ عام 2003، استغلت هذه القوى الانقسامات الطائفية والإثنية لتمرير مشاريعها، لكن مع مرور الوقت، أصبح العراقيون أكثر وعيًا بأن هذه الانقسامات مصطنعة وأن الهدف منها إدامة نظام المحاصصة والاستغلال، وليس تحقيق العدالة أو تمثيل المكونات. ومع تآكل الشرعية الشعبية، كان لا بد من بديل يحفظ لها البقاء، حتى لو كان على حساب هوية العراق وسيادته.

تزوير الإرادة الشعبية قبل الانتخابات

في أي نظام ديمقراطي حقيقي، يتمحور التغيير حول الشعب، سواء عبر الانتخابات أو الحراك الشعبي السلمي. لكن في العراق، السلطة أدركت أنها ستخسر أي انتخابات نزيهة، كما أنها لم تعد قادرة على قمع الشارع بشكل دائم دون عواقب، لذلك لجأت إلى حلّ أكثر شمولية: تغيير تركيبة الناخبين أنفسهم. وبدل أن يخوض الشعب معركة لاستبدال حكامه، اختار الحكام تغيير الشعب نفسه، عبر منح الجنسيات والتلاعب بالسجلّات المدنية، بهدف تحويل المعادلة الانتخابية إلى مجرد إجراء شكلي، تكون نتائجه محسومة مسبقًا.

خطر الإحلال الديمغرافي على مستقبل العراق

هذه السياسة لا تهدد فقط نتائج الانتخابات، بل تشكل خطرًا وجوديًا على هوية العراق ومستقبله السياسي والاجتماعي. إذ أن التلاعب بالبنية السكانية يعني:

ضياع الإرادة الوطنية: عندما يتم استبدال الناخب العراقي الأصيل بناخب وافد مُجيَّر لصالح السلطة، يصبح القرار الوطني مرهونًا بإرادة قوى خارجية ومصالح ضيقة، لا تمت بصلة إلى مصالح العراقيين.

تحويل العراق إلى ساحة نفوذ خارجي: مع تدفق مئات الآلاف من الأجانب إلى البلاد، يصبح العراق بيئة خصبة لمزيد من التدخلات الأجنبية، حيث تتحكم دول أخرى في مصير العراقيين من خلال مواطنيها الجدد الذين أصبحوا أصحاب قرار داخل الدولة.

تآكل الهوية الوطنية: عندما يتم تفريغ العراق من مواطنيه الأصليين أو تقليص دورهم في صنع القرار، فإن ذلك يهدد النسيج الوطني ويخلق حالة من الغربة داخل الوطن نفسه، حيث يتحول العراقيون إلى أقلية في بلدهم تدريجيًا.

هل ينجح هذا المخطط في وأد التغيير؟

قد تعتقد القوى الحاكمة أن مخططها سيضمن لها البقاء لعقود، لكنها تتجاهل حقيقة أن الهوية الوطنية العراقية أقوى من أي محاولة للطمس والاستبدال. فالعراقيون ليسوا مجرد أرقام انتخابية يمكن استبدالها، بل هم أصحاب أرض وتاريخ، وحينما يدرك الشعب حجم الخطر الذي يتهدد وجوده، فإن ردّ الفعل سيكون بحجم التهديد ذاته.

إن معركة العراقيين اليوم ليست مجرد معركة سياسية، بل صراع على الهوية والوجود. فإما أن يستعيد العراقيون قرارهم الوطني ويمنعوا تحويل بلادهم إلى مستعمرة لأجندات خارجية، أو يجدوا أنفسهم غرباء في وطنهم، محكومين بسلطة لا تمثلهم، ومنتخبين جُلبوا ليصادروا حقهم في تقرير المصير.

قد يتأخر التغيير، وقد تحاول القوى المهيمنة فرض أمر واقع، لكن إرادة الشعوب أثبتت عبر التاريخ أنها قادرة على تجاوز أقسى المخططات. واليوم، يواجه العراق لحظة حاسمة ستحدد مستقبله لعقود قادمة: إما أن ينجو بهويته الأصيلة، أو يُستبدل بشعب جديد لا يمت له بصلة.

التعليقات معطلة.