الصحة النفسية المعززة بالذكاء الاصطناعي التوليدي تسجّل حضوراً بارزاً في معرض لاس فيغاس للإلكترونيات 2025.
ويشار إلى أن “منتدى دافوس” العالمي رصد في دورته الأخيرة في العام 2024 ظاهرة صعود الذكاء الاصطناعي التوليدي في مجال رعاية الصحة النفسية للبشر. ووفق وثائق تلك الدورة، يمتلك ذكاء الآلات القدرة على الرجوع إلى كتب ومصادر ومراجع ودراسات، مما يجعله أداة مهمّة في مساعدة خبراء الصحة النفسية على تشخيص الحالات وتوقع مساراتها ووصف المقاربات العلاجية المناسبة لها، بما في ذلك الأدوية.
تنافس على التوتر!
في معرض “سيس 2025″، الذي يستهل أعماله اليوم (الثلاثاء)، تطلق شركة “نوتريكس” (Nutrix) السويسرية جهاز “كورتيسنس” (CortiSense) القادر على قياس مستوى هرمون الكورتيزول المعروف بهرمون التوتّر.
وتصف شركة “نوتريكس” نفسها بأنها مؤسّسة تركّز على الابتكار في التقنيات الذكية القابلة للارتداء، والمخصّصة للرعاية الصحيّة، وتضعها في خدمة الجمهور العام. وتعمل الشركة بتعاون وثيق مع “إدارة الغذاء والدواء” (FDA) الأميركية.
ويتألف “كورتيسنس” من جهاز أسطوانيّ صغير على طرفه قطعة يمكنها جمع اللعاب، من دون اضطرار الشخص إلى البصق أو استخدام أنبوب. ويحلّل الجهاز اللعاب مباشرة. وبعد بضع دقائق، يقدّم نتائجه عبر تطبيق على الهاتف المحمول.
وثمة أداة ذكيّة منافسة لـ”كورتيسنس” يمثلها جهاز “إنليسنس” (EnLiSense)، الذي يستخدم رقعة قماشيّة “باتش” تمتصّ بضع قطرات من العرق، ثمّ يتم إدخالها في قارئ محمول يعرض البيانات عبر أحد التطبيقات أيضاً.
[انظر مقال “جهاز مبتكر لتحليل هرمونات الجسم بسهولة من المنزل”].
تقدّم هذه الأجهزة بديلاً، من الناحية النظرية، لقياس الهرمونات في المستشفى أو المختبرات المتخصصة. وبالطبع، يفترض انتظار رأي جهات مرجعيّة من وزن “إدارة الغذاء والدواء” (FDA) الأميركية، لمعرفة مدى صحة مزاعم الشركات عن أدواتها الذكية في المجال الصحي.
وثمة مشكلة أخرى تتعلق بخصوصية البيانات الصحية للأفراد، وحقوق استخدامها، بما في ذلك إمكانية أن تحصل عليها شركات التأمين الصحي. وقد يؤدي ذلك النوع من البيانات دوراً حاسماً في قرارات تغطية الأفراد بالتأمين الصحي، بما في ذلك النوعية والتكلفة المالية.
وفي مسار متصل، لاحظت جولي كولزيت، وهي متخصصة في علم النفس من نيويورك، أن “هذه الأجهزة لا تقدّم علاجاً، لكنها منتجات تكميلية تساعد في الكشف عن المشكلة الصحيّة أو تشخيصها بشكل أوّلي”.
ومن الأجهزة المعززة بالذكاء الاصطناعي والمخصّصة للصحة النفسيّة، يبرز أيضاً جهاز “بي مايند” BMind من شركة “باراكودا” Barcoda الفرنسية، الذي يحتوي كاميرا مدمجة قادرة على تحديد مؤشرات التوتر أو التعب. وفي خطوة تالية، يقترح الجهاز تخصيص أوقات للاسترخاء، إذا لزم الأمر، مع عرض صور وموسيقى هادئة.
أجهزة للتعامل مع “ظاهرة ما بعد الصدمة النفسية”
وفي السياق نفسه، تبرز أداة “كالمي غو” (Calmigo)، التي تشبه جهاز الاستنشاق المخصص لمرض الربو، وتساعد في التغلب على نوبات هلع، إذ يضع المستخدم فمه على الجهاز، ثم يستنشق ويتنفّس بمعدل تحدّده إشارات ضوئية. وبفضل الذكاء الاصطناعي، يأتي الإيقاع وفق الحاجات الخاصّة بكلّ فرد.
بالإضافة إلى التنفس، يحفّز الجهاز، الذي بيع منه أكثر من مئة ألف نسخة في الولايات المتحدة، أربعاً من الحواس الخمس، مع إشارات ضوئية، واهتزاز جسديّ ينتج أصواتاً أيضاً، وروائح مهدئة. وتنشّط هذه العملية الجهاز العصبيّ السمبثاوي، الذي يبطئ نشاط الجسم ويساعد في السيطرة على المشاعر.
أجرت “كالمي غو” دراسة سريرية على محاربين قدامى عانوا من “ظاهرة ما بعد الصدمة النفسية” (PTSD) بالتعاون مع المستشفى التابع لجامعة رايخمان الإسرائيلية.
وأظهرت الدراسة حدوث انخفاض في القلق وأعراض “ظاهرة ما بعد الصدمة النفسية” بعد بضعة أسابيع من الاستخدام.
كذلك، سيُعاين الزائرون في معرض لاس فيغاس للإلكترونيات “رومي” (Romy Robot)، وهو روبوت صغير “يستخدمه كثيرون في اليابان للتخفيف من شعورهم بالقلق والوحدة”، بحسب شركة “ميكسي” التي صمّمته.
في مقطع فيديو توضيحيّ، يردّ “رومي” على مالكه المحبط بعد ليلة من العمل غير المجدي، بمزحة مع اقتراح بمشاهدة فيلم يساعد على الاسترخاء.
تعلّق الاختصاصية النفسية جولي كولزيت على ذلك الفيديو بقولها، “مع طرح مزيد من الأجهزة في السوق، ربما ستهتهم أعداد إضافية من الناس بالعلاج”.
من ناحية أخرى، لا تؤمن كولزيت بقدرة الروبوت والذكاء الاصطناعي عموماً على الاستجابة للأسباب الجذرية للقلق أو التعاسة.
وتقول “يحتاج المرضى لشخص كي يرشدهم، حتى يشعروا بوجود من يفهمهم ويشعرهم بأنهم على أرضية آمنة. لا أعتقد أن الروبوت يقدر على تحقيق ذلك”.