الصراع الاقتصادي السياسي الصيني-الأمريكي: حرب باردة بنموذج جديد
4
في السنوات الأخيرة، تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والصين ليأخذ شكل صراع مركب يجمع بين الاقتصاد، السياسة، التكنولوجيا، وحتى النفوذ الجيوسياسي. ومع أن العالم لا يشهد صداماً عسكرياً مباشراً بين القوتين، إلا أن ما يحدث يمكن وصفه بـ”حرب باردة” جديدة، لكن بنموذج مختلف عن تلك التي سادت في القرن العشرين بين واشنطن وموسكو. إنها حرب بوسائل اقتصادية، رقمية، وتحالفات ناعمة، حيث تسعى كل قوة لفرض نموذجها الخاص للعولمة والتأثير.
مظاهر الصراع
الاقتصاد والتجارة
الحرب التجارية التي أطلقتها إدارة ترامب عبر فرض الرسوم الجمركية على مئات السلع الصينية لم تكن إلا شرارة لصراع اقتصادي أعمق. فواشنطن تسعى إلى الحد من تغلغل المنتجات الصينية في السوق الأمريكية، بينما ترد بكين بسياسات دعم صناعي وتوسيع حضورها في الأسواق الناشئة ضمن مبادرة “الحزام والطريق”.
التكنولوجيا: المنافسة بين الشركتين العملاقتين “هواوي” و”آبل”، وبين شبكات الجيل الخامس الصينية ونظيراتها الغربية، تعكس مدى حدة الصراع التكنولوجي. الولايات المتحدة تسعى لحظر الشركات الصينية أو فرض رقابة عليها بدعوى الأمن القومي، فيما تسعى الصين لتحقيق استقلال تكنولوجي تام.
النقد والعملة: من جهة تسعى واشنطن إلى الحفاظ على هيمنة الدولار كعملة احتياط عالمية، ومن جهة أخرى تعمل بكين على تدويل اليوان الصيني، بل وتجرب استخدام العملات الرقمية للبنك المركزي في تسويات التجارة مع دول الجنوب العالمي.
التحالفات الجيوسياسية: بينما تعزز أمريكا تحالفاتها مع اليابان، كوريا الجنوبية، والهند ضمن تحالفات مثل “كواد”، تتحرك الصين لتعميق نفوذها في إفريقيا، أمريكا اللاتينية، وحتى أوروبا الشرقية من خلال الاستثمارات الضخمة والبنية التحتية.
نموذج جديد للحرب الباردة
على عكس الحرب الباردة الكلاسيكية، لا تقوم الحرب الجديدة على سباق تسلح نووي أو أيديولوجيا واضحة، بل على سباق اقتصادي وتكنولوجي. كما أن التداخل الاقتصادي بين الطرفين يجعل فكرة المواجهة المباشرة محفوفة بالمخاطر. لكن هذا لا يلغي الطابع العدائي المتنامي، خاصة مع تصاعد التصريحات السياسية، والعقوبات، والقيود على الاستثمارات.
الشرق الأوسط في قلب الصراع:
من اللافت أن المنطقة العربية باتت ساحة تنافس غير معلنة بين بكين وواشنطن. فبينما تقدم الصين نموذج شراكة غير مشروط سياسياً، تعتمد أمريكا على علاقات أمنية وتاريخية. ويبدو أن بعض الدول العربية بدأت تنوع شراكاتها للعب على التوازنات الدولية وتحقيق مكاسب مزدوجة.
ما نشهده اليوم ليس مجرد تنافس بين قوتين عظميين، بل محاولة لإعادة تشكيل النظام العالمي. الولايات المتحدة تحارب من أجل استمرار تفوقها، والصين تقاتل لانتزاع مكانها كقوة عالمية صاعدة. في هذا الصراع، لم يعد الحسم العسكري هو الأداة، بل النفوذ الاقتصادي والتكنولوجي. إنها حرب باردة… ولكن بنموذج جديد أكثر تعقيداً وتشابكاً .