الصراع بين حائك السجاد والكابوي: انهيار نظرية المؤامرة على يد ترامب

28

 

 

في عالم تتشابك فيه خيوط السياسة كما في سجادة فارسية، يبرز دونالد ترامب كـ”كابوي” أميركي يتعامل مع السياسة الخارجية كما لو كانت مواجهة مباشرة في ساحة مفتوحة، لا مكان فيها للمناورات أو الغموض. هكذا بدا الصراع بين إيران، التي أتقنت فنون “حياكة السجاد” في السياسة الإقليمية والدولية، وبين إدارة ترامب التي اختارت تحطيم النموذج الإيراني بأدوات غير تقليدية.

السردية الإيرانية: المؤامرة كحقيقة مطلقة

منذ عام 1979، قام النظام الإيراني على أساس سردية مؤامراتية ترى أن واشنطن وتل أبيب تديران كل أزمات المنطقة. وقد وُظّفت هذه النظرية لتبرير السياسات الأمنية المشددة داخلياً، ولتغليف المشروع التوسعي إقليمياً بغلاف “المقاومة”. بمرور الوقت، أصبحت “نظرية المؤامرة” جزءاً من الهوية السياسية للنظام، وسلاحاً دعائياً موجهاً للجمهور الإيراني ولأنصار إيران في الخارج.

ترامب: الخصم الذي لا يتآمر… بل يواجه

لكن مع وصول ترامب إلى السلطة، انقلبت المعادلة. لم يتعامل مع إيران بأسلوب الحرب الباردة، ولم يستخدم لغة مزدوجة، بل مارس سياسة المواجهة العلنية. انسحب من الاتفاق النووي عام 2018، ثم فرض عقوبات غير مسبوقة، وأخيراً نفّذ اغتيالاً مدوّياً لقائد فيلق القدس قاسم سليماني.

كان كل ذلك يتم تحت الأضواء، بلا غموض ولا مؤامرات. ترامب لم يكن يهمس في الغرف المغلقة، بل يصرح على الملأ: “نريد كبح جماح إيران”. هذا السلوك نسف واحدة من أهم ركائز الخطاب الإيراني: فكرة “العدو الخفي” الذي يعمل في الظلام.

الارتباك الإيراني وسقوط المظلومية

بهذا الأسلوب المباشر، أسقط ترامب أوراق التوت عن خطاب المظلومية الإيرانية. أصبح من الصعب إقناع الداخل الإيراني والعالم بأن ما يجري هو “مؤامرة غامضة”، إذ إن واشنطن كانت واضحة في سياساتها وأهدافها. وبدأت التصدعات تظهر حتى داخل البيت الإيراني، حيث علت أصوات تشكك في فعالية السياسة الخارجية، وتنتقد اختزال كل معارضة داخلية في إطار “العمالة للغرب”.

تراجع “حائك السجاد”

بعد سنوات من بناء شبكة نفوذ معقدة في لبنان، سوريا، العراق واليمن، وجد النظام الإيراني نفسه أمام واقع جديد: اللاعب الأميركي لم يعد يتعامل كجزء من لعبة شطرنج دبلوماسية، بل كمقاتل لا يعترف إلا بالقوة. وهنا تراجعت فاعلية الأسلوب الإيراني القائم على الوقت، التفاوض الطويل، وتبادل الرسائل عبر وسطاء.

 الكابوي يكشف الخدعة

الصراع بين “حائك السجاد” و”الكابوي” كشف حقيقة صادمة: كثير مما كان يُعتقد أنه مؤامرات كبرى، لم يكن سوى أوهام غذّاها الإعلام السياسي. ترامب، بكل ما يحمل من صخب وفجاجة، لم يفكك فقط أجزاء من الاتفاق النووي، بل ضرب قلب السردية الإيرانية، وأجبرها على مواجهة واقع لا يمكن تفسيره عبر نظريات المؤامرة.

لقد أثبت أن مواجهة الأنظمة ذات البنية العقائدية تتطلب أحياناً خصماً خارج المألوف، لا يتآمر، بل يصارح… ولا ينسج، بل يضرب .

التعليقات معطلة.