مقالات

الصفقة القطرية

خالد البري

آخر عقد وقعته شركة BAE Systems البريطانية المصنعة للطائرات المقاتلة من طراز “تايفون” كان عام 2012، أي منذ 5 سنوات كاملة، وفي يوليو من هذا العام أعلنت النمسا أنها بصدد الاستغناء عن أسطولها من هذه الطائرة مرحليا، بسبب ارتفاع تكاليف الصيانة، وستبحث عن بديل أقل تكلفة.
وحاولت الشركة إقناع السعودية بشراء 48 طائرة، تضاف إلى صفقة سابقة أجرتها المملكة عام 2007، لكن المفاوضات فشلت. لذلك أعلنمسؤولو الشركة في وقت سابق من هذا العام أنهم بصدد إغلاق خط إنتاج طائرات “تايفون” إن لم يتم توقيع عقود شراء جديدة.

هذه أخبار سيئة للغاية بالنسبة لبريطانيا بالتحديد، لأن الجزء الخاص بتجميع طائرات تايفون يتم على أرضها في وارتون – لانكشير، ومع حالة التخوف الاقتصادي المتزامنة مع مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي، آخر ما تحب الحكومة البريطانية أن تسمعه من أخبار هو تسريح أكثر من 4 آلاف عامل يعملون في الشركة.

الآن أُعلن أن قطر ستشتري 24 طائرة من الشركة، وكانت الصفقة القطرية إنقاذا للشركة، ولقطاع مهم في قطاع تصنيع السلاح البريطاني. فهل هي منقذة لقطر أيضا؟

تملك قطر العديد من الطائرات الحربية، لأغراض النقل والقتال الخفيف والتدريب، أما بالنسبة للطائرات المقاتلة الرئيسية في الخطوط الأمامية فتُشغّل حاليا 10 فقط. لكنها وقعت منذ العام الماضي عقود توريد حوالي 120 طائرة مقاتلة.

بناء على المعلومات السابقة شكك الباحث في الشؤون العسكرية جاستن برونك في أهمية الصفقة، بالنظر إلى محدودية البنية التحتية في قطر، وقلة عدد الطيارين المؤهلين.

ليس هدف الصفقة إذا تعزيز القوة العسكرية القطرية المقاتلة، التي تحتاج إلى أكثر كثيرا من شراء هذا الكم الهائل من الطائرات، في الغالب لدى قطر ثلاثة أهداف أخرى.

هدف إعلامي سياسي، غرضه نفي صورة الدولة المتهمة برعاية الإرهاب. على أساس أن الدول الغربية لن توقع صفقات أسلحة مع دول راعية للإرهاب. أقول إن هذا هدف إعلامي لأن قطر وقعت صفقة أسلحة مع الولايات المتحدة، لكن هذا لم يمنع الأخيرة من تأييد اتفاق الرياض، وحث قطر على الالتزام به.

وإعلاميا أيضا أعلنت قطر أن هذه الصفقة غرضها “استخدام الطائرات في مكافحة الإرهاب”، وهو غرض غير مفهوم بالنظر إلى الصف الذي تصطف معه قطر في البؤر الثلاث التي تُستخدم فيها الطائرات ضد جماعات إرهابية مسلحة. بالتحديد في ليبيا وسوريا ومناطق سيطرة الحوثيين في اليمن. لكنه تصريح يؤكد على نفس الغرض الإعلامي الذي تسعى إليه.

عسكرة الأزمة هدف أساسي آخر لدى قطر منذ بداية المقاطعة، وهي تتعمد استخدام كلمة “حصار” للإيحاء بهذا، رغم أن الدول الأربع المكافحة للإرهاب أكدت أكثر من مرة أن لا نية لعمل عسكري، ولم تُرصد تحركات عسكرية توحي بغير هذا طوال الأزمة، فضلا عن أنه لو كان هناك نية لعمل عسكري لما غيرت صفقات الأسلحة من الواقع شيئا، إذ أن فرق القدرات العسكرية مهول بين الدول الأربع وبين قطر. الغرض كما قلت هو الإيحاء.

“الإيحاء العسكري” يهم قطر من جهة أخرى، إذ تريد تقديم نفسها لحلفائها الثابتين كتركيا والمتأرجحين كإيران وحزب الله، على أنها قوة مفيدة عسكريا أيضا، إن لم يكن من خلال القوات فمن خلال العتاد والثروة. لا ننسى أن إحدى خطط قطر الحالية إنشاء قاعدة عسكرية تركية على أراضيها.

هل أي من هذا مُجدٍ، هل يمكن أن ينقذ قطر من ورطتها التي تقول الدول الأربع إن حلها في الرياض؟

تقديم قطر لنفسها على أنها مصدر دعم اقتصادي، وربط النظام القطري نفسه بمصالح اقتصادية مع عدة دول، ربما يكون مفيدا في حث هذه الدول على “إطالة الأزمة”، لتحقيق أكبر استفادة. هذا يجرنا إلى التساؤل عن “إطالة الأزمة” نفسه، وهل هو في مصلحة السلطة الحالية في قطر أم لا.

هنا يتسابق في ذهن السلطة القطرية عاملان، الأول أن تستطيع تثبيت نفسها داخليا ضد تنامي الشعور بالحنق والخسارة، وتزايد الضغط حتى داخل أسرة آل ثاني.

والعامل الثاني أن يحدث تغيير في وجوه السياسة العالمية ترفع الضغط عن قطر.

يتجاهل هذا التفكير المصالح الحيوية للدول المقاطعة، التي تعدت مجرد “الخلاف السياسي”. ويتجاهل أيضا عامل تغير الرأي العام العالمي ضد قطر يوما وراء يوم بسبب اقتران اسمها بالإرهاب في الإعلام.

أما أن تعتقد قطر بأنها – حال صراع إقليمي – ستغير من موازين القوى لصالح دول من خارج الخليج بصفقات أسلحة فهذا من باب الأوهام السياسية. فأي محاولة من قطر للاصطفاف مع إيران، أو الاستقواء بتركيا، في صراع إقليمي مباشر يعني انتحارا سياسيا فوريا لصاحب القرار، من داخل قطر قبل خارجها.

أحد المشاركين في مؤتمر المعارضة القطرية في لندن قال: “أمجاد آبائنا وأجدادنا بنيت على محاربة الأتراك. الآن النظام القطري يأتي بالأتراك”.