ماجدة إبراهيم
فى ركن صغير مظلم فى تجويف مصمت تنساب مشاعر متوهجة تتفجر شرايين الحب داخلها..
تنزوى تلك الأحاسيس وتلملم نفسها فى وضع القرفصاء وتصبح مدفونة فى مكان سحيق بلا قرار.
لا يتطلع عليها أحد!!
تلمح نفسها هجوم بصرى وكلمات رقراقة من أناس آخرين.. فمنهم من أحبها بعقله ومنهم من فاض حبه بين يديها لم تتمالك قلبها عندما لمست كلمات حبه أذنيها تدغدغها، فتنحنى طربا من العشق ومحاولات الانقضاض.
لا تنكر عليه أنه فارسها، ولجامها يمسكه باتزان وهى تهمس فى أذنيه كل يوم أنها تحبه.
تقاوم ساعات سقوط نفسها بين أنياب المتاهة.. ودوائر التفكير، تدفع كل هواجسها للانهيار والاستسلام للفشل مرة أخرى.
قررت السفر برفقته إلى بلاد لا تعرف إلا اسمها، لا تدرى أى لغة يتحدثون ولا إلى أى قارة ينتمون فأملها أن تكون له وحدة بكل مشاعرها..جعلته يسيطر على الموقف برمته.
لا تقول إلا كلمة واحدة «حاضر» كأنما التصقت بلسانها وأصبحت من قطع اللحم والدم فيه..
رغم أن كل الرجال يعشقون المرأة التى تقول:
«حاضر» لكنه لم يحبها إلا انبهارا بتمردها على كل شىء حتى نفسها وشغفا لجدالها الذى يرتفع فيه صوت العقل على صوت الكلمات هكذا أحبها وتزوجها.. مختلفة فى ملامحها شقاوة الأطفال وفى عقلها رجاحة الشيوخ.. كان حديثا مطولا بين قلبين جمعهما حب من نوع خاص اعترف بغرامه الحالم لحد الذوبان.. قاطعته عيناها المتيمتان بملامحمها الطيبة..
دعاها أن تكون نفسها ألا تتحول إلى صورة مكررة من كل النساء.. فجاءته إجابتها زلزلت جدران نفسه.. «أحببتك كما لم أحب من قبل».. تسللت روحك المسالمة إلى روحى المشاغبة فسيطرت وتربعت.. أنت بالنسبة لى كل الرجال بخيرهم وشرهم.. وأنا بالنسبة لك كل النساء فى حسنهن وخبثهن.. لن تنجو من غصة فى الحلق ولا نشوة فى اللقاء، فالحياة مزيج قاسٍ من عسل مر، وعلقم حلو.. اثنتا وعشرون عاما قضيتهم فى حضرتها لا يفرق بيننا خلاف ولا مشكلة نستقبل الإحباطات بصدر رحب ونكسر فى داخلنا قسوة الزمن..لم نحتج أن يتوج حبنا أطفال تربط بيننا كما هو متعارف عليه.. فجرعات الحب التى سكبتها قلوبنا تزيد وتفيض على أى رباط خارجى يتحكم فى قلبينا.
لم ننشغل بمن منا قد خلق عقيما، فقدرنا الوحيد أن نجتمع فى قلب واحد محب فى مواجهة منغصاتنا اليومية التى لا تأخد مننا بقدر ما تمدنا بطاقة تدمر كل أفكار البشر السوداء.. كم كنت أحلم كأى امرأة بأن أصبح أما.. لكننى شعرت بالرعب لو قرر حبيبى أن نزور الطبيب.. لن أحتمل أن يوضع أحدنا فى الاختيار فمجرد التفكير.. فى الأمر يعنى أنه يمثل أزمة كبيرة فى حياتنا.. ومرت السنون كالبرق لم أشعر إلا بحلاوتها وتمنيت أن يكون هو آخر ما أغمض عينى عليه.. حتى جاءت لحظة الفراق فقد أصيبت حبيبتى ورفيقه عمرى بمرض من أمراض الدنيا فانتظرنا معا نهاية جسدها فستظل روحها سابحة حولى إلى أن يجمعنا لقاء أخير..
كانت نظراتها لى تسعد قلبى رغم كل الألم والوجع فعيناها.. الشىء الوحيد المتبقى من شقاوتها وحلاوة طلتها تداعبنى بهم، بعد أن فقدت كل قدراتها الجسدية على الحركة.. أسمع فى عينيها كلمة أحبك.. أعشقك..
فأمسك يدها التى لا تتحرك فأقبلها ودموع تنساب بدون إرادتى فقد وعدتها أن يكون وداعنا كلقائنا كله ابتسام وضحك..
أزحت تلك الدمعات بطرف أصبعى خلسة واستجمعت طاقتى على السعادة وقبلت يديها ووجهها وشفتيها وخديها ورأسها وظللت أقبل كل جزء من جسدها حتى أصابع قدميها.
تعلو وجهها ابتسامة واحدة لا تتغير.
تاهت عيناها وأحسست أنها فى دنيا أخرى تسبح بأفكارها وتتذكر فتوقفت.. تركت يديها فشكرتنى بعينيها..
«الآن يا حبيبى شريط حياتى ينفرط أمامى بكل زلاته وجموحه.. بكل انتصاراته وشموخه ويبقى فى داخل القلب نقطة بعيدة لا نراها بالعين المجردة تنكمش وتنكمش حتى تصبح بلا ملامح لكنها مازالت تتنفس الحياة.. وتموت بعد الجسد.. نتذكرها فى أوقات الخلوة نطردها فى أحيان كثيرة لكنها تعود وتبقى لا يحاسبنا عليها الله لكنه يعرفها.. ولا يفضحنا.