يبدو وجود الصديق الوهمي لدى الطفل حالة مقلقة للأهل أحياناً. فرؤية الطفل وهو يمضي أوقاته غير موجود إلا في مخيلته ليست مسألة يتقبلها الكل. بحسب الاختصاصية في المعالجة النفسية في مركز بلفو الطبي ميرنا روحانا، في مرحلة معينة يلعب الصديق الوهمي دوراً في تنمية القدرة الإبداعية للطفل، وله أثر إيجابي عليه، وإن بدا وجوده غريباً ومقلقاً للأهل.
في أي مرحلة يمكن أن يبتكر الطفل فكرة الصديق الوهمي؟ بين عمر السنتين والخمس سنوات، تظهر فكرة الصديق الوهمي لدى قسم من الأطفال وليس كلّهم. عندها ينتقل فيها الطفل إلى مرحلة جديدة، فيها تجارب عديدة مختلفة بالنسبة له كالدخول إلى الحضانة والانفصال عن الأهل وربما حمل الأم، فيسهّل عليه وجود الصديق الوهمي هذه المرحلة الانتقالية، فيما يساعد في الوقت نفسه على تنمية قدراتهم الإبداعية واللغوية والذكاء. فيمكن أن يشكل الصديق الوهمي جزءاً من نمو الطفل بما أنه يستدخم مخيلته عندها. فيشعر الطفل في هذه المرحلة بالملل، خصوصاً أنه لم يبدأ بعد بتطوير نموّه الاجتماعي، فيبتكر فكرة الصديق الوهمي التي تساعده على الاعتياد على هذه التجارب الجديدة التي يعيشها في الحياة، وعلى تقبل التغييرات الحاصلة في هذه المرحلة الانتقالية. هي تشكل جزءاً مهماً من نموّه تساعده على التطور.قد يكون وجود الصديق الوهمي في حياة الطفل مصدر قلق للأهل، هل تعتبر كذلك أحياناً؟يضيع الأهل أحياناً بين الجنون واستخدام الخيال. فعندما يكون لدى الطفل الصديق الوهمي يستعين بعالم من الخيال، وثمة فارق كبير بين ذلك والجنون. علماً أنه قد لا يكون للطفل صديق وهمي بل لعبة أو دمية تكون أيضاً بمثابة صديق يتعلّق به ويشاركه الخبرات والتجارب. تعتبر هذه الحالة عادية ولا تدعو للقلق. لكن ما يستدعي التدخل من الأهل ويمكن أن يلفت نظرهم هو الحالة التي لا يظهر الطفل فيها تفاعلاً مع محيطه ومع أصدقاء ويعيش في عزلة ولا يرد على أهله، مكتفياً بالعيش في عالم من الخيال. عندها قد يكون هناك ميل إلى العزلة وربما إلى التوحد. قد يكون لديه هذا الصديق الذي يتفاعل معه ويعيش مع تجارب، كالأكل واللعب، فيساعده على مواجهة تجارب يمكن أن تبدو مقلقة له أو تثير مخاوفه. فيساعده وجوده هذا على تخطي هذه المخاوف ليتمكن من مواجهتها لاحقاً من دون قلق. وكأنه يرمي أحاسيسه على الصديق الوهمي، بدلاً من أن يعيشها وحده. علماً أنه يمكن أن يكون لدى الطفل أصدقاء وهميون عديدون، بحسب روحانا. وهي حال يمكن أن يلاحظها الأهل بما أن الطفل يتفاعل مع الصديق الوهمي أحياناً أمامهم ويقلّدهم حتى من خلاله. لكن في الوقت نفسه، ليس للكل أصدقاء وهميون ومن الأطفال من لا يحتاجونهم.
هل من حدود معينة يجب أن يضعها الأهل في هذا المجال في مرحلة ما؟من المهم أن يوضح الأهل للطفل أن الصديق الوهمي هو من الخيال، ولو تفاعلوا معه أحياناً بطريقة لطيفة أثناء تواصله معه. فمن الضروري أن يوضحوا له أن الصديق وهمي غير موجود في الواقع بل هو فقط من الخيال وهو وهمي. فيجب ألا يعيش الطفل الحالة بطريقة مبالغ فيها. ومن المفترض أن تزول هذه الحالة ويتخلى الطفل عن فكرة الصديق الوهمي في عمر الخمس سنوات، لأنه يصبح للطفل أصدقاء وأنشطة يقوم بها، بعد أن يكون التركيز على نفسه بين عمر السنتين والخمس سنوات، فيكون وجود الصديق الوهمي أو اللعب التي يتعلّق بها وسيلة يستخدمها لتخطي الانفصال عن الأهل أو أي تجربة اخرى بغياب الأصدقاء. أما الاستمرار إلى ما بعد هذه السن، فمسألة لا تهمل وتتطلب تدخل الأهل، خصوصاً إذا كان الطفل يميل إلى العزلة. وفي كل الحالات يجب ألا تستمر فكرة وجود الصديق الوهمي إلى ما بعد الخمس سنوات، ويجب مساعدته تدريجاً قبل هذه السن حتى يتخلص منها. وهذا ينطبق على اللعبة أو الدمية التي يتعلّق بها، فلا يمكن أن يستمر ذلك عندما يذهب إلى المدرسة. يمكن تحضيره تدريجاً إلى أن تزول الفكرة تماماً.