مقالات

الضرائب والدفع بالباطن

 
 
عادل سعد
 
من أقوى علامات الحصانة التنموية في أي بلد حصانة الابتعاد عن وقوع اقتصاده تحت طائلة الإنهاك، وما يتبع ذلك من إعياء وانكشاف يحول بينه وبين كفاءة الأداء، فضلا عن الخلل الذي يصيب ميزان مدفوعاته وما يترتب من خضوع لمتوالية العجز بنسخ تراكمية سنويا، الوضع الذي لا بد أن يؤثر على مجمل الموازنات التشغيلية والاستثمارية طويلة الأمد، أي الاستثمارات التي ليست لها توقيتات إنتاجية على المدى المنظور، بل تأتي في إطار الاستراتيجية العامة للتنمية بانتظار أن تظهر نتائجها في مرحلة لاحقة.
الحال، تتفق جميع المدارس الاقتصادية على أن التهرب الضريبي واحد من المقاتل الأساسية للتنمية التي لا يمكن التغاضي عنها، لأنها ترمي بثقلها على العجز المالي لتضيف أعباءً ليس بمقدور أي اقتصاد تحملها إذا تتابعت متوالية العجز واستمر هذا التهرب.
إن من أوهام وأخطاء الاعتقاد، أن يرى أشخاص بالإفلات من الضرائب مغالبة مشروعة لا تنسحب تأثيراتها عليهم وإنما على الحكومات فحسب.
إن هذه النظرة بقدر خطلها فهي بالنتيجة النهائية تسبب ضررا يضرب كل أطراف العملية التنموية، وفي المقدم من ذلك المستفيدون منها، وهذا من شأنه أن يعطل جانبا من التنمية التي تتعلق بحاجة المواطنين أنفسهم، إضافة إلى ذلك أن المواطنين المكلفين بدفع الضرائب نتيجة تنامي فرصهم الاقتصادية سيتضررون حتما؛ إذ لا يجدون ما يعينهم على هذه الفرص حين تصاب العملية الاقتصادية للبلد بالركود، وفي ذات الوقت كيف تستقيم أخلاق المواطن وهو يتخلى عن مسؤولية دوره في دعم التنمية الوطنية! وكيف للمواطنين أن يطالبوا حكوماتهم بهذا المشروع أو ذاك إن لم تكن لهم مساهماتهم في دعم الميزانية العامة للدولة من خلال الإيفاء بالتزاماتهم الضريبية.
المؤكد، أن التهرب الضريبي فساد بنسختين: نسخة السرقة التي يمارسها أفراد إزاء مسؤولية ينبغي أن يضطلعوا بها، ونسخة المطالبة بحقوقهم كمواطنين من الدولة في حين لا يدفعون مقابل ذلك شيئا تحتمه القوانين واللوائح الاقتصادية المعمول بها، وتحضرني هنا إشارة للرئيس الأميركي المغدور الأسبق جون كندي حين وضع معادلة أراها رصيدا أخلاقيا، عندما قال ليس من حق الأميركيين أن يطالبوا حكام الولايات أو الحكومة الاتحادية بالانفتاح على حاجاتهم المشروعة إذا لم يلتزموا بالتعهدات الضريبية اللازمة.
وعلى وفق متابعاتي أن دساتير بعض الدول تتضمن نصوصا تعد التهرب الضريبي جريمة مخلة بالشرف، ولعلني لا أبتعد كثيرا إذ أشير إلى أن واحدة من المشاكل التي يعاني منها الاقتصادان العراقي واللبناني هو التهرب الضريبي وما يترتب عليه من خلل في دورة النقد، الدينار العراقي والليرة اللبنانية، ولا شك أن الهيئات المسؤولة عن تطبيق أنظمة الضرائب في وزارة المالية وديوان الرقابة المالية في العراق يعتقدان أن الفساد المستشري في الهيئات الضريبية الميدانية يمثل واحدا من أخطر الأسباب التي تعيق دورة المال في حياة الدولة، فضلا عن أن ذلك يمثل سببا مباشرا لظاهرة التضخم التي تتطاول على مقدرات الاقتصاد نتيجة وجود سيولة نقدية طفيلية كبيرة لا تخضع للمحاسبة الضريبية، ووفق معلومات موثقة فإن المتهربين من الالتزامات الضريبية (يحومون) حول جرائمهم في هذا الشأن على القاعدة الفقهية التحقيقية (المجرم يحوم حول جريمته)، إنهم يتواجدون بالقرب من المؤسسات الحكومية المسؤولة عن استحصال الضرائب، ويقيمون جسورا من التواصل مع وسطاء على علاقات ببعض موظفي تلك المؤسسات، وهكذا تتم الصفقات من تحت الموائد على مقدار الرشاوى المدفوعة للمكلفين الميدانيين بتقدير الضرائب.
إنها عمليات سرقة مبطنة، ومن أخطر ما يصيب الاقتصاد أن يتحرك بالباطن.