في خضم التوترات الإقليمية المتصاعدة والنزاعات التي تعصف بالشرق الأوسط، يبدو أن إسرائيل تقترب من اتخاذ خطوة دراماتيكية قد تغيّر موازين القوى في المنطقة. الحديث عن ضربة عسكرية إسرائيلية ضد مواقع استراتيجية داخل العراق لم يعد تكهنًا، بل بات سيناريو يُتداول بجدية في الأروقة السياسية والإعلامية، مع تنامي المؤشرات التي توحي بقرب وقوعها .
لماذا العراق؟
منذ سنوات، يعتبر العراق محورًا أساسيًا في الصراعات الإقليمية، حيث أصبح منصة لنفوذ إيران المتزايد من خلال الفصائل المسلحة التي تعمل تحت مظلة الحشد الشعبي. هذه الفصائل تُعتبر تهديدًا مباشرًا لأمن إسرائيل، حيث تُتهم بتخزين أسلحة متطورة، بما في ذلك طائرات مسيّرة وصواريخ دقيقة، تُستخدم في تهديد المصالح الإسرائيلية والأميركية في المنطقة .
إسرائيل، التي لا تخفي قلقها من تنامي هذا النفوذ الإيراني في العراق، تنفذ ضربات جوية دورية ضد مواقع تابعة لهذه الفصائل، سواء في سوريا أو على الحدود العراقية السورية. ومع تصاعد حدة التصريحات الإسرائيلية بشأن ضرورة تحجيم القدرات الإيرانية في المنطقة، يبدو أن بغداد ستكون الهدف التالي.
المؤشرات على قرب الضربة
1. تصعيد الخطاب الإسرائيلي:
المسؤولون الإسرائيليون، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أشاروا مرارًا إلى أن إسرائيل لن تسمح لإيران ببناء قواعد تهدد أمنها. العراق، الذي يُعتبر جزءًا من “الهلال الشيعي” الإيراني، يدخل ضمن هذه المعادلة .
2. التحركات العسكرية الإسرائيلية:
التقارير الاستخباراتية تشير إلى أن إسرائيل زادت من نشاطها الجوي في المنطقة، بما في ذلك تعزيز قدرات طائراتها بعيدة المدى .
3. الصمت الدولي:
مع انشغال العالم بالأزمات في أوكرانيا وغزة، يبدو أن هناك ضوءًا أخضر غير معلن لإسرائيل للتحرك بحرية ضد أهدافها الإقليمية، بما في ذلك في العراق.
هل فات الأوان؟
العراق، الذي يعاني من أزمات سياسية واقتصادية خانقة، يجد نفسه عاجزًا عن مواجهة التحديات الأمنية التي تحيط به. الحكومة العراقية، رغم محاولاتها الحفاظ على سيادة البلاد، تبدو مكبّلة بضعف داخلي وضغوط إقليمية ودولية .
وفي الوقت الذي تنشغل فيه الفصائل المسلحة بالصراعات الداخلية والخلافات السياسية، تستغل إسرائيل هذا الانقسام لتنفيذ ضرباتها دون ردع يُذكر. هذا الواقع يجعل العراق مكشوفًا أمام أي تحرك إسرائيلي، في وقت يتزايد فيه الحديث عن ضرورة تحجيم الدور الإيراني في المنطقة .
ما بعد الضربة؟
إذا وقعت الضربة الإسرائيلية، فإن تداعياتها ستكون خطيرة على عدة مستويات:
1. تصعيد إقليمي:
ربما تدفع إيران بفصائلها في العراق وسوريا ولبنان للرد .
2. تفكك داخلي:
الضربة ستزيد من حالة الانقسام السياسي داخل العراق، وربما تفتح الباب أمام صراعات جديدة بين القوى السياسية والفصائل المسلحة .
3. تغيير قواعد اللعبة:
إسرائيل قد ترسل رسالة واضحة بأنها لن تسمح لأي قوة إقليمية بتهديد أمنها، مما قد يضع المنطقة على حافة مواجهة شاملة .
الضربة الإسرائيلية على العراق تبدو وشيكة، في ظل عجز واضح عن احتواء التوترات الإقليمية. الوقت قد فات لتجنب هذه الضربة، لكن الأسئلة الأهم تدور حول كيفية تعامل العراق مع تداعياتها، وهل سيكون قادرًا على استعادة سيادته وسط هذا المشهد المعقد؟
المرحلة القادمة ستكشف عن الكثير، لكن المؤكد أن الشرق الأوسط يقف أمام مفترق طرق خطير قد يعيد تشكيل موازين القوى لعقود قادمة .