الطائفية سلاح مقيت يدمر شعوب المنطقة: متى نعي وندرك ذلك؟

17

 

 

لطالما كانت الطائفية أداة للتفرقة والتمزق في المجتمعات، وفي منطقة الشرق الأوسط تحديداً، أصبحت الطائفية سلاحاً مدمراً يستخدمه البعض لتحقيق مكاسب سياسية، بينما يدفع شعوب المنطقة ثمناً باهظاً من وحدتهم واستقرارهم. وعلى الرغم من التجارب المريرة التي مر بها العديد من شعوب المنطقة نتيجة للصراعات الطائفية، ما زالت هذه الآفة تجد أرضاً خصبة في ظل الأزمات المستمرة. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: متى سنعي أن الطائفية ليست فقط تهديداً لأمننا واستقرارنا، بل سلاح مقيت يستخدم لتدمير شعوب المنطقة .

 

الطائفية: وقود الصراعات والتمزقات

لطالما كانت الطائفية هي العامل الأساس الذي يشعل الحروب الأهلية والصراعات الداخلية في الكثير من الدول. ففي العراق، على سبيل المثال، أدت الطائفية إلى تقسيم المجتمع إلى “شيعة وسنة”، مما خلق بيئة خصبة للعنف والاضطرابات. بينما في لبنان، كانت الطائفية أحد الأسباب الرئيسة التي أدت إلى اندلاع الحرب الأهلية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وما زالت تؤثر في السياسة اللبنانية حتى اليوم .

 

في كل من هذه الحالات، لم تكن الطائفية مجرد اختلاف في المعتقدات، بل تحولت إلى وسيلة لزرع الفتن بين الأفراد، وتعميق الانقسامات الاجتماعية. كل طائفة أصبحت ترى الأخرى تهديداً لوجودها وحقوقها، ونتيجة لذلك، تحول الصراع الطائفي إلى حرب صفرية، حيث لا يوجد منتصر حقيقي .

 

الطائفية وأثرها على النسيج الاجتماعي

الطائفية لا تقتصر آثارها على الحروب والصراعات العسكرية فقط، بل تمتد لتدمير النسيج الاجتماعي داخل المجتمع. فمن خلال تسييس الانتماءات الدينية والطائفية، تخلق الأنظمة الحاكمة بيئة من العداء والتنافر بين المواطنين. وبالتالي، تتولد ثقافة الكراهية التي تنمو بين الأفراد، مما يفاقم من حالة الانقسام الاجتماعي .

 

والأسوأ من ذلك، أن الطائفية تساهم في تهميش فئات واسعة من المجتمع، مما يضعف التماسك الوطني ويزيد من الشعور بالظلم والإقصاء. هذا يؤدي إلى نشوء بيئات معادية للحوار والتفاهم، حيث تصبح العوامل الطائفية هي العامل المحدد للأدوار السياسية والاجتماعية، بدلاً من الكفاءة والقدرة على خدمة المجتمع .

 

الاستغلال السياسي للطائفية

في العديد من الدول، يُستخدم الصراع الطائفي كأداة لتحقيق أهداف سياسية ضيقة. فالقوى السياسية التي تروج للخطاب الطائفي تجد فيه وسيلة لخلق ولاءات في صفوف جمهورها، بينما يتم استغلال الطائفة كأداة للضغط على الخصوم السياسيين. وبذلك، يصبح المواطنون في قلب لعبة سياسية لا علاقة لهم بها سوى أنهم جزء من طائفة معينة .

كما أن بعض القوى الإقليمية والدولية تجد في الصراع الطائفي وسيلة للتمدد النفوذ، إما من خلال دعم طرف ضد آخر أو عبر إشعال الفتن لتعميق الانقسامات. هذا النوع من الاستغلال يعزز من استمرار النزاعات الطائفية ويطيل أمدها، مع استمرار معاناة الشعوب .

 

متى نعي ذلك؟

السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا هو: متى سنعي أن الطائفية ليست سلاحاً صالحاً لمستقبلنا؟ متى ندرك أن تصعيد الخطاب الطائفي ليس فقط يهدد وحدتنا الوطنية، بل يعمق من معاناتنا كأفراد وأمم؟ الجواب يكمن في تغيير الفكر والسياسة على مستوى الأفراد والدول .

 

يجب أن نبدأ في إزالة القيود الطائفية من المفاهيم التي تشكل وعينا الجماعي، والعمل على بناء هوية وطنية شاملة لا تعتمد على الانتماءات الدينية أو الطائفية، بل على القيم الإنسانية المشتركة. من خلال التعليم والإعلام، يجب أن نزرع في الأجيال القادمة فكرة أن التنوع الديني والطائفي لا يجب أن يكون مصدرًا للخلاف، بل يجب أن يكون مصدرًا للغنى الثقافي والتلاحم المجتمعي .

 

التطلع إلى المستقبل: كيف نواجه الطائفية؟

إن مواجهة الطائفية تتطلب أولاً إرادة سياسية حقيقية لإعادة بناء المؤسسات على أسس من العدالة والمساواة، حيث يتاح لكل فرد الفرصة للنجاح والتطور بغض النظر عن طائفته أو دينه. كما يجب أن تضع الحكومات أولويات في تعزيز مفهوم المواطنة على حساب الهويات الفرعية التي قد تزرع الفرقة .

 

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يواجه المجتمع الطائفي بقوة من خلال وسائل الإعلام، التي يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الآخر وتعزيز ثقافة التسامح والقبول. وينبغي على النخب الفكرية والدينية أن تدرك مسؤولياتها في تحفيز حوار عقلاني بعيد عن العواطف الطائفية .

لا شك أن الطائفية كانت وما زالت سلاحاً مدمراً لمستقبل شعوب المنطقة. وفي عالم تتزايد فيه التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية، لا يمكننا أن نتحمل المزيد من الفرقة والتمزق. إذا أردنا أن نبني مستقبلاً مشتركاً ومزدهراً، يجب أن نضع حداً للطائفية، ونعمل على تأسيس نظام اجتماعي وطني يرتكز على المساواة والعدالة والاحترام المتبادل .

التعليقات معطلة.