لعمل الدبلوماسي والدبلوماسية منهاج رصين ومدرسة عريقة واحتراف وممارسة وتدرج وظيفي وتراكم خبرة وتقاليد ولياقة ولباقة وثقافة عالية وبنك معلومات قانونية وتاريخية وأدبية واجتماعية وإتقان لعدة لغات حية تتوج جميعها بتهيئة شخصية تتمتع بخلق عالٍ رفيع تعكس موقعه وتمثيله لبلده.
التفصيل في هذا الجانب يطول كثيراً لكن دعونا نعرج بكم اليوم عن موضوع شغل الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي يتمثل بالخرق الدبلوماسي الذي وقع في مملكة البحرين الأسبوع المنصرم، حيث تم استدعاء القائم بأعمال السفارة العراقية من قبل وزارة الخارجية في مملكة البحرين وتسليمه خطاباً يعرب عن امتعاض المملكة لتدخله في الشأن الداخلي وتصرفه خارج نطاق عمله الدبلوماسي!
وكانت ردة الفعل من قبل الجانب العراقي مسؤولة فتم الاتصال الهاتفي من قبل وزير خارجية العراق مع معالي وزير الخارجية الدكتور عبد اللطيف الزياني على الفور وتم سحب القائم بالأعمال وإعادته إلى بغداد بعد أن كاد أن يعكر صفو العلاقات بين البلدين الشقيقين.
هذا هو الظاهر من هذه الأزمة الدبلوماسية التي تم احتواؤها أما الغاطس منها وغيرها من الإخفاقات والأزمات في أكثر من دولة تتواجد فيها السفارات العراقية والكادر الدبلوماسي فلا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم.
فقد كثر في هذه الأزمة التأويلات والأقاويل، وحتى ما أقدم على نشره السيد القائم بالأعمال وعلى حسابه من تبرير لتصرفه فهو مداراة لماء وجهه وهو بعيد كل البعد عن ما وقع منه من تصرف وخرق لا يليق بعمل أي دبلوماسي رفيع.
وقد كانت ردة فعل الجانب البحريني في غاية الاحتراف واللياقة الدبلوماسية بأن اكتفت بتسليمه رسالة احتجاج قدّرها وتفهمها الجانب العراقي كثيراً وسحب القائم بالأعمال لمقر الوزارة في بغداد متيقنة من دقة الرواية من الجانب البحريني المشهود له برقي تعامله الدبلوماسي.
دعونا الآن سادتي نسلط الضوء ونضع تحت المجهر الخفايا والأسباب المؤدية إلى انتكاس العمل الدبلوماسي في العراق ما بعد الاحتلال:
فكما يعلم الجميع أن أمريكا سعت منذ احتلالها للعراق إلى تدمير جميع مؤسساته المدنية وتصفية وعزل وتهجير جميع كفاءاته وسلمت مقدراته لمجموعة أحزاب دينية لا تفقه من إدارة الدولة ولا العلاقات الدولية ولا أصول العمل الدبلوماسي شيئاً، وأسست لنظام المحاصصة المقيت والذي مازال معمولاً به منذ عقدين من الزمان ومن ضمن ما صدعت أركانه تلك المحاصصة هو هيكل وزارة الخارجية حالها كحال كل مفاصل الدولة العراقية إن كان هنالك حقاً مفهوم صحيح للدولة، علماً بأن أسوأ فترة ترسخت فيه المحاصصة والطائفية المقيتة في الوزارة كانت في عصر إبراهيم الجعفري حيث تم الإجهاز على ما تبقى من خبرات في الوزارة وتسمية سفراء على ضوء المحاصصة إرضاء للأحزاب وتمثيلاً للميليشيات، فبعضهم تبين أنه لا يحمل أي شهادة تؤهله لمنصبه والآخر يحمل شهادة مزورة!