كتب / مصطفى صلاح…
شهدت تركيا العديد من تجارب التغيير الثورية، ففي عهد مصطفى كمال أتاتورك (1881-1938)، استهدفت الجمهورية الجديدة تحقيق التغيير الحضاري؛ حيث سعت تركيا للانضمام إلى نادي الأمم الغربية من خلال اعتماد طرق غربية للتفكير على أساس العلم والعقلانية، والتي كانت تستند إلى حد كبير على المبادئ الأساسية للتنوير الأوروبي. على خلاف الفترة العثمانية والتي اتسمت بعدم التوازن في التفاعلات بين الإمبراطورية ونظرائها الأوروبيين، بينما كانت السياسة الخارجية الكمالية حكيمة وموالية للغرب، تعكس نظرتها العلمانية – مصرة على المساواة الكاملة مع القوى الكبرى وكانت حامية لسيادتها الوطنية.
على المستوى الخارجي، تم اعتماد مقاربة سلمية أعلنها أتاتورك، تجلت في قوله “السلام في الداخل، والسلام في العالم”، ومع ذلك عملت الحكومة الكمالية على تمهيد الطريق أيضًا لسياسات حيوية في المستقبل؛ فمع أعتاب الحرب العالمية الثانية، ضمت تركيا مقاطعة هاتاي في عام 1939، والتي كانت تحت السيطرة الفرنسية بعد الحرب العالمية، والسيطرة على قبرص في عام 1974.
بالإضافة إلى هذه السياسات، أقامت تركيا علاقات حسن الجوار مع أعدائها السابقين مثل روسيا واليونان منذ عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين فصاعدًا، كما سعت إلى إنشاء منظمات تعاون إقليمية مثل حلف البلقان (1934) وميثاق ساداباد (1937).
تمثل هذه القرارات أمثلة على تفضيل تركيا للتعددية في حل النزاعات داخل المنظمات الدولية. ومع ذلك، فإن العلاقات الخارجية لتركيا في العقود الأولى من الجمهورية لم تكن متناغمة بشكل خاص مع التدخل في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع العرب. في الواقع، كان هناك خطاب يعكس عن رؤية تركيا للمنطقة بعنوان “مستنقع الشرق الأوسط”، الذي يعكس خيبة الأمل لدى الأتراك بشأن سلوكهم خلال الحرب العالمية الأولى، وبالتالي الرغبة في الابتعاد عن الصراعات في المنطقة.
استمر عنصر التعددية بعد وفاة أتاتورك؛ حيث أصبحت تركيا أحد الأعضاء المؤسسين للأمم المتحدة ومجلس أوروبا، وانضمت إلى حلف الناتو في عام 1952، بعد ثلاث سنوات من إنشائه وانضمت إلى الجماعة الاقتصادية الأوروبية، كما شكل الاتحاد الأوروبي فيما بعد، هدفًا لتركيا كدولة موالية للغرب لعدة عقود، والذي لا يزال مستمرًا حتى يومنا هذا.
تركيا الجديدة
كتب القومي المحافظ، أحمد كاباكلي، كتابًا تحت عنوان “تركيا المسلمة” عام 1970، يدعو فيه إلى أن تكون تركيا أكثر توجهًا نحو الدين، واضعًا الإسلام في مركز الهوية الوطنية ويعرض الدمج التركي الإسلامي باعتباره حجر الزاوية في الأمة التركية، كما كانت أفكاره تنتقد تركيا الحديثة الغربية التي في نظره فقدت في حكم أتاتورك الاتصال مع ماضيها العثماني.
وعلى الرغم من كون هذه الحجج في ذلك الوقت مجرد تفكير بالتمني، لكنها أصبحت حقيقة؛ حيث أرتبطت أفكاره بالتطورات المحلية في العشرين سنة الماضية، ومع ظهور سياسة التعددية الحزبية، أصبح السياسيون خصوصًا من التيار اليميني الوسطي أكثر استجابةً للمستجدات الجديدة على الساحة المحلية، حيث استغل الحزب المناخ الديموقراطي لتعزيز توغله في ظل ارتباط تركيا بالمبادي الأوروبية الديموقراطية.
بداية الصعود
كان صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002، نتاجًا لسياسة اليسار المركزي واليسار الوسطي التي انقسم كل منهما إلى حزبين يساريين ومعارضين يمينين، كلهم مصابون بالفساد وعدم الكفاءة والرغبة الحزبية الأنانية للسلطة. هذه الحالة خلقت وضع من عدم الاستقرار السياسي، والتي كان لها تأثير ضار على الاقتصاد التركي، في محاولة منهم لاستغلال الأوضاع الاقتصادية لصالحهم.
في ذلك الوقت، كان يُنظر إلى الإسلاميين في حزب العدالة والتنمية من جانب الشعب على أنهم قادة أمناء وكفء يحاولون تحقيق المزيد من الديمقراطية، وكذلك تركيا المسلمة. كما كان توقع الاستقرار أحد الأسباب المهمة التي جعلت الناخبين يصوتون لصالح الحزب الجديد.
وعلى ذلك، لا تزال سياسة تركيا الخارجية في ظل سيطرة حزب العدالة والتنمية قائمة على التحالف بين حلف الناتو عبر الأطلسي، لكنها لا تخجل من المشاركة الأوثق مع روسيا ودول الشرق الأوسط بشكل خاص، وهناك اهتمام متزايد تجاه الأراضي السابقة للإمبراطورية العثمانية، والدول الإسلامية الأخرى، وكذلك القارات الأخرى مثل أفريقيا وأمريكا اللاتينية. على سبيل المثال، كان لدى تركيا 12 سفارة في أفريقيا في عام 2009؛ الآن ارتفع هذا الرقم إلى 39، وذلك لاستغلالها في تحقيق طموحاتها الجديدة.
على ذلك؛ تم تنويع السياسة الخارجية التركية في مقابل السياسة الخارجية الموالية للغرب التي أجريت خلال معظم الحقبة الكمالية، دون نسيان أول انفتاح على إفريقيا والشرق الأوسط في الستينيات بسبب رغبة تركيا في كسب المزيد من سياسات الدعم لقضية قبرص.
الأيديولوجية في توجه الحكومة الجديدة
يعكس اتجاه السياسة الخارجية التركية تدريجيًا وبشكل متزايد التوجه الإسلامي للحكومة في السلطة منذ عام 2002. أثناء سنواته الأولى، قام سياسيون مثل رجب طيب أردوغان وعبدالله جول بتقليل خلفيتهم الإسلامية، مع التركيز على سياسة خارجية موالية للاتحاد الأوروبي من خلال الاجراءات الديموقراطية الداعمة لها. ومع ذلك، لم يغير ذلك حقيقة أن قيادة حزب العدالة والتنمية – في حين أنها قادمة من نزعة إسلامية إيديولوجية قومية وليست محافظة – بمرور الوقت، وخصوصًا منذ عام 2016، استحوذت على الخطاب القومي بالإضافة إلى نظرتها للعالم الإسلامي. ومع زيادة حزب العدالة والتنمية في قوته، تبنى على مضض أتاتورك كرمز لوحدة الأمة، حيث استخدم رموز الحزب المبادي الديموقراطية لإخفاء نواياهم في تغيير المجتمع.
بالتركيز على السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية، يمكن للمرء أن يجادل بأن النهج البراجماتي المبكر للشؤون العالمية من عام 2002 إلى عام 2008، أفسحت المجال لسياسة خارجية أكثر نشاطًا أو استباقية تهدف إلى خلق تركيا جديدة ونظام إقليمي ودولي جديد. وبهذا المعنى، أصبح الحزب رجعيًا تجاه منظومة الأمم المتحدة. ويتجلى ذلك في شعار الرئيس رجب طيب أردوغان: “العالم أكبر من خمسة”، الشعار الموجه إلى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن. على سبيل المثال، استخدم هذه الكلمات الدقيقة في سبتمبر 2014، عندما ألقى كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يدعو فيها إلى مراجعة الوضع الراهن في الأمم المتحدة. وكان الرئيس ينتقد بشكل خاص افتقار الأمم المتحدة إلى العمل لحل الأزمات التي أدت إلى خسائر في الأرواح في فلسطين وسوريا والعراق ومصر، فضلاً عن ضعفها في الكفاح ضد الإرهاب. وكحل للعقوبات المتكررة في مجلس الأمن، أوصى أردوغان بزيادة عدد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن من خمس إلى عشرين، مما يسمح لكل دولة بالحق في أن يتم انتخابها كعضو دائم. وعلاوة على ذلك، فقد صرّح على وجه الخصوص بأنه ينبغي أن يكون هناك بلد ذو أغلبية مسلمة بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. وفي حين أن المظاهر الدقيقة لاقتراحه لم تكن واضحة، إلا أن الأمر الواضح هو رغبته في إصلاح نظام الأمم المتحدة إلى نظام أقل تركيزًا على الغرب وأكثر تمثيلاً لأمم العالم، وعليه بدأت ملامح النظام السياسي التركي في الظهور علنًا، في ظل الإعلانات المتتالية عن وجهته الإسلامية الحقيقية.
إن نظرة أردوغان إلى العالم تتشكل إلى حد كبير من خلال مشاعر المسلمين؛ حيث ينظر إلى العالم من خلال الأضداد الثنائية مثل الغرب والإسلام، الاستغلال والعدل، السلمي والمحارب. خلال حديثه كانت كل الصفات الإيجابية المذكورة أعلاه ممثلة فيما أسماه “حضارتنا”، وجميع الخصائص السلبية تشير إلى الممارسات الغربية في الماضي واليوم. بعبارة أخرى، تعتبر الحضارة العثمانية – الإسلامية في نظره أكثر عدالة وإنسانية مقارنة بالعالم الغربي، والذي يبرهن على عداوة أردوغان للقيم الديموقراطية التي استغلها للوصول إلى السلطة.
التوجهات المستحدثة
في السنوات الأولى، طبقت حكومة حزب العدالة والتنمية أيضًا نهجًا متزنًا وعمليًا في الصراع العربي الإسرائيلي، محاولين العمل كوسيط بين سوريا وإسرائيل. لاسيما بعد العملية الإسرائيلية ضد غزة بين 27 ديسمبر 2008 و18 يناير 2009، والمعروفة باسم عملية الرصاص المصبوب، وتوبيخ رئيس الوزراء أردوغان القوي للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز في اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الذي يحمل إسرائيل مسؤولية قتل الأطفال والنساء، وعليه؛ توترت العلاقات التركية الإسرائيلية. في حين أقام حزب العدالة والتنمية بالفعل علاقات وثيقة مع حماس، وربما يعود ذلك إلى حزب الرفاه الاجتماعي في الثمانينيات، حيث كان للحزب اتصالات مع العديد من الحركات الإسلامية. بغض النظر عن الوقت المحدد للتعاون مع قيادة حماس، في محاولة لاستغلال القضية الفلسطينية بما يعزز وجودها، على الجانب الآخر تعد تركيا أكبر حلفاء إسرائيل الإقليميين ومن أوائل الدول التي أعترفت بدولة إسرائيل، كما تعد تركيا الحليف الاقتصادي الأكبر لإسرائيل في المنطقة.
وفي العقد الأول من القرن الحالي، تولى أردوغان كرئيس للوزراء، ثم رئيس للبلاد منذ عام 2014 فصاعدًا، رئاسة القيادة حول القضية الفلسطينية، اعتقادًا منه أنه يجري إهمالها أو عدم معالجتها بشكل كاف من قبل العالم العربي. مع زيادة التركيز على القضية الفلسطينية بشكل عام والقدس على وجه الخصوص، وأصبحت تركيا المدافع الأكثر رعيًا لفلسطين في الساحة الدولية.
في الواقع، إن إقامة علاقات أوثق مع العالم الإسلامي والحركات الإسلامية كانت عملية نوعية واضحة للسياسة الخارجية التركية الجديدة التي ظهرت على مدار الأعوام الستة عشر الماضية؛ حيث حاولت تركيا امتلاك زمام الأمور وتحدد إلى حد كبير قواعد التفاعلات الدولية في منطقتها وما وراءها، كما تم انتقاد النظام القديم لأنه سلبي، وأن السياسة الخارجية الجديدة تتوافق مع ماضيها وجغرافيتها. خاصة في الشرق الأوسط؛ حيث أرادت تركيا خلق تحالف من البلدان ذات التفكير المماثل، في محاولة منه لتكوين وسط إسلامي يحقق طموحاته الجديدة.
في حين كانت علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي إيجابية بشكل خاص في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، بالتزامن مع سياسات حزب العدالة والتنمية التي استهدفت تقليص سلطة الجيش في صنع السياسة التركية، وفتح المزيد من الحيز للجماعات العرقية بما في ذلك الأكراد، وتعزيز الديمقراطية. لكن تدريجيًا تدهورت العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي. كما فقدت تركيا الثقة في إخلاص الدول الأوروبية تجاه عضويتها؛ حيث أعلنت بعض دول الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا وفرنسا ترددها تجاه السماح لتركيا بعضوية الاتحاد الأوربي. ولاحظت دول الاتحاد أيضًا ابتعاد تركيا عن القيم الأوروبية، حيث ازدادت تركيا في ثقتها بشكل كبير وبدأت في تحديد هويتها المعارضة لأوروبا.
القوة الناعمة
القوة الناعمة كمفهوم صاغه أستاذ جامعة هارفارد جوزيف ناي. على عكس القوة الصلبة مثل القوة العسكرية أو القوة الاقتصادية، وتستلزم القوة الناعمة “القدرة على التأثير على الآخرين عن طريق الانجذاب والإقناع بدلاً من الإكراه والدفع فقط”. على سبيل المثال، يمكن أن يكون البناء الثقافي والتعليمي للبلدان مؤثر في تشكيل تفضيلات البلدان الأخرى. وترجع قوة الولايات المتحدة الهائلة جزئيًا إلى وجود عدد من المراكز الجذابة في البلاد مثل هارفارد ومايكروسوفت، والــ(إن بي ايه) وهوليوود، وعلى الرغم من أنها تبدو غير ذات صلة، حسب ناي، إلا أنها تمثل عناصر متنوعة للقوة الثقافية الأمريكية، والتي ترجمت إلى قوة كبيرة في الوصول الناعم.
على الجانب التركي، نجح حزب العدالة والتنمية في الترويج لتركيا بنجاح من خلال تفعيل توجهه الإسلامي المحافظ وجعله أكثر جاذبية للمسلمين العرب والمسلمين باستخدام المنتجات الثقافية؛ حيث يستخدم الحزب الماضي العثماني كمبرر لسياسة خارجية أكثر نشاطًا في الأراضي السابقة للإمبراطورية العثمانية وما وراءها وفي أماكن أخرى مثل إفريقيا، في نظرة تركية فوقية بأن هذه المناطق كانت بمثابة رعايا للدولة العثمانية، وأنه لابد من إعادة الهيمنة على تلك المناطق.
وجادل السياسيون الأتراك بأنهم لم يكونوا موجودين لاستغلالهم، بل للتعامل معهم على أساس المساواة ودعم العلاقات القائمة على المصالح والمساواة المتبادلتين. بعبارة أخرى، تم استخدام كل من المساعدات الأجنبية والمسلسلات التركية والتضامن الإسلامي والخطاب الإنساني والمساواة لجعل تركيا دولة أكثر جاذبية.
وكجزء من سياسة خارجية أكثر نشاطًا، اُنتخبت تركيا مجلس الأمن الدولي كعضو غير دائم في 2008-2010، بعد غياب دام أكثر من 40 عامًا وقدمت مساعدات خارجية عبر الوكالة التركية للتعاون والتنمية (تيكا)، ومنظمات حكومية أخرى هي أمثلة جديرة بالذكر لتعزيز القوة الناعمة، مستغلة بذلك المساعدات الإنسانية للتوغل في الدول الأكثر فقرًا.
في هذا الصدد، يمكن للمرء أن يجادل بأن المساعدات الخارجية كانت تستخدم كأداة لتعزيز مكانة تركيا في البلدان الأقل نموًا في العالم. بالإضافة إلى هذه السياسات التي ترعاها الحكومة، زادت تركيا من جاذبيتها للسياح من جميع أنحاء العالم، لا سيما من خلال المسلسلات الشعبية؛ حيث ساهم التبادل الدولي المتزايد للمسلسلات التركية في زيادة النفوذ التركي في الخارج، وتصدير نفسها للعالم على أنها دولة ديموقراطية مدنية وهي تستخدم ذلك لتحقيق مآرب آخري بدت أكثر وضوحًا في الفترة الأخيرة.
علاوة على ذلك، ساهمت علاقات تركيا الوثيقة مع العالم العربي أيضًا في تدفق السياح خاصة من منطقة الخليج. خاصة في ظل تراجع صناعة السياحة إلى الوراء بعد تحديات العامين الأخيرين، والتي تعرضت خلالها البلاد لهجمات إرهابية متعددة وعانت من تداعيات دبلوماسية مع روسيا، والتي كان لها تأثير ضار على السياحة. وعلاوة على ذلك، تفتخر الخطوط الجوية التركية الآن أنها تطير إلى بلدان أكثر من أي شركة طيران أخرى في العالم وإن طيرانها إلى أفريقيا والعديد من المواقع الأخرى جزء من سياسة تركيا الجديدة التي تهدف إلى أن تكون مرئية في جميع أنحاء العالم، حتى تتمكن من التأثير في توجهات هذه الدول في المناطق المختلفة بما يلائم طموحاتها الخفية.
إن افتتاح المراكز الثقافية التركية مثل معاهد يونس إمري في جميع أنحاء العالم وانتخاب الأمين العام التركي لمنظمة التعاون الإسلامي، كلها أمثلة على تركيا أكثر انشغالاً في الشؤون الدولية، بما يعزز قدرتها على الانقلاب على المبادئ المدنية والديموقراطية.
في حين كان الرمز الأكثر رواجًا للقوة الناعمة لتركيا في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، خاصة بين السنة والأفارقة، هو الرئيس رجب طيب أردوغان. ففي تلك المناطق، يُنظر إليه على أنه المدافع عن المسلمين والمضطهدين ضد الغرب الإمبريالي. ومع ذلك، فإن القبول الإيجابي الأولي تجاه أردوغان في أوروبا والولايات المتحدة بسبب نهجه الأكثر براجماتية في صراعات مثل قبرص لم يتبدد، في الواقع تم عكس ذلك تمامًا..
باختصار، وفقًا لصانعي السياسة الأتراك، فإن السياسة الخارجية الجديدة للبلاد تُظهر البراجماتية وتدعمها أيديولوجية تؤكد على الصفات المتفوقة للماضي العثماني والإسلامي في البلاد على عكس الغرب الاستغلالي.
ملاحظات ختامية
ظهرت تركيا جديدة بسبب العوامل المحلية والدولية على حد سواء. داخليًا، أصبح المجتمع التركي يشعر بخيبة أمل متزايدة من السياسة ويريد أن ينتخب أفرادًا خارج الدائرة الداخلية للسياسيين الفاسدين. خارجيًا، كانت تركيا القديمة وطنية للغاية في حمايتها الغيورة لسيادتها الوطنية والصلبة في نهجها تجاه قبرص. علاوة على ذلك، منذ ظهور سياسة التعددية الحزبية في أواخر أربعينيات القرن العشرين، ازداد استخدام الخطاب الإسلامي والتأكيد على العنصر الإسلامي في الهوية التركية.
على النقيض من إخفاقات الأحزاب السياسية القديمة، قدم حزب العدالة والتنمية نفسه كحزب لإنجاز الأمور ووعد بأن يكون البلد أكثر سلامًا بهويته الخاصة، يضاف إلى ذلك أن أردوغان كان لديه جاذبية خاصة للجماهير المحافظة وكان ينظر إليه من قبل الكثيرين على أنه حَلال للمشاكل، فلم يشوهه الخطاب القومي في العقود الماضية وعلى استعداد للمساومة على العديد من القضايا، خاصة في علاقاته مع الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، سمح الجمود في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي لتركيا أن تتبع سياسة خارجية أكثر طموحًا وأحادية في منطقتها وخارجها، معتبرة نفسها زعيمة للعالم الإسلامي تنبثق من التغيير الضمني لهويتها الحكومية من غربي إلى آخر مسلم، في إشارة إلى الانقلاب على المبادي والقيم الديموقراطية.
هذه الهوية الجديدة المتمحورة حول المسلمين يتم الترويج لها محليًا من خلال المدارس ومن خلال نقاشات السياسيين في حزب العدالة والتنمية، وعلى المستوى الدولي من خلال المشاركة السريعة مع العالم الإسلامي. واليوم أصبحت تركيا أكثر ثقة بشأن سعيها للحصول على السلطة لإقامة الهيمنة الإقليمية وخاصة بين الدول الإسلامية والأراضي السابقة للإمبراطورية العثمانية، حيث تقوم التوجهات التركية الجديدة على استغلال الدين وتوظيفه لخدمة الطموحات التركية المتمثلة في توجهات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان