العالم من غير إسرائيل

1

كتب/ أوس ابو عطا 

ينطلق السؤال من مجموعة مُعطيات ميدانية واستخباراتية ذات مدلولاتٍ سياسية، وبعض التسريبات من محافِل راسمي السياسة في الغرب، أي أن مقالتي هذه لا تستند إلى أوهام و أحلام اليقظة، كما يتوهّم بعض مَن وقع نظره على العنوان:

1- في مؤتمر لندن عام 1907م، قُدِّمت عدّة مشاريع بخصوص العالم الإسلامي والعربي، وفي عام 1909م أاختير مشروع رئيس الوزراء البريطاني الذي عُرِف بمشروع كابل، وتوصي إحدى فقراته على إنشاء كيان يفصل الوطن العربي قسمه الأسيوي عن قسمه الأفريقي من أجل:( إسكان أرض فلسطين بالجماعات اليهودية غير المرغوب فيها في المجتمع الغربي، من أجل تحقيق الوحدة القومية لدول أوروبا).

2- توظيف تلك الجماعات في معسكرٍ على أرضِ فلسطين سُمِّي- دولة إسرائيل التي تدور في فلك أوروبا- لتكون مخفراً أمامياً للغرب في وجه آسيا البربرية-على حد زعمهم-.

3 – استقرار اليهود في البلاد التي تضمّ مهْد الدّيانة المسيحية وأقدس مُقدّساتها تخدم المصالح المسيحية الكبيرة والعُليا لنزعها سيادة العرب والمسلمين عنها.

4- أن السّاحل الشّرقي للبحر الأبيض المتوسّط يُشكّل بالنسبة لآسيا جبهتها البحرية وجادتها العريضة في ذات الوقت، بالإضافة إلى أنّ هذا السّاحل يشكّل بالنسبة لأوروبا رأس جسرٍ واسع نحو آسيا.

ثمّ تطوّر مفهوم الكيان الصّهيوني العُنصري إبان مرحلة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي ومنظومته الاشتراكية من جهة والولايات المتحدة الأميركية ومنظومتها الرّأسمالية من جهة أخرى، لتصبح وظيفته حماية المصالح الغربية في الوطن العربي، وتحديداً في مشرقه الذي اعتبر منطقة تدخّل استراتيجي، لأن كلاً من المنظومتين أدخلته في دائرة أمنها القومي، لذلك نشأ في تلك الآونة ما عُرِف بحروب الوكالة، وحظي الكيان، ذاك الجسم الغريب المُتطفّل، في تلك الآونة بكل الدّعم المطلوب من أميركا و أوروبا ، سياسياً وأمنياً واقتصادياً ومالياً وزد على ذلك الحماية المباشرة، كما حدث في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وحرب تشرين التّحريرية 1973م، كونها وكيلاً أصيلاً للغرب في مواجهة الدّول العربية المحسوبة على الاتحاد السوفياتي ولكن الأخيرة تعتبر وكيلاً غير أصيل بسبب الاختلاف الإيديولوجي.

وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي ومنظومته دخلت أميركا إلى المنطقة من بوابة العراق في حرب الخليج الثّانية، ثمّ أنشأت قاعدة عسكرية لها في قطر، ونقلت قيادتها الوسطى إليها في محاولةٍ لتكريس نفسها كقطب وحيد للعالم.

وبالمقابل أعاد الرئيس بوتين مكانة روسيا الدّولية مُلغياً أحاديّة القطب الواحد وحوله الصّين والهند والبرازيل، ودخلت المنطقة من خلال تحالفها مع سوريا وإيران، وتعّزز وجودها بالقاعدة العسكرية في طرطوس ثمّ تدخّلها عسكرياً في الأزمة السّورية، وبذلك سقط مفهوم التداخُل الاستراتيجي والحروب بالوكالة وأصبحت الدّول الكبرى تدافع عن مصالحها بنفسها، وبذلك فقد الكيان الصهيوني أهميته العسكرية في حماية مصالح الغرب، وكانت أول إشارة له بهذا التوجّه منعه من التدخّل في حرب أميركا وحلفائها للعراق رغم سقوط 39 صاروخ سكود عراقي على منشأته الأمنية والعسكرية بأوامر من الرئيس الرّاحل صدّام حسين بعد اندلاع حرب الخليج الأولى بيوم واحد 1991، وفي المقابل كان الكيان الغاصِب قد أقدم على قصف مفاعل تموز النووي العراقي في العام 1981.

ولأن الغرب يتعامل بالسياسة بمفهوم الربح والخسارة، فقد تحوّل الكيان العنصري من حامٍ للمصالح إلى عبء سياسي ومالي، يدفع فواتيره مواطنو دول الغرب، وزاد من هذا العبء ممارسات الكيان الصّهيوني ضدّ الشعب الفلسطيني المُسالِم، وإفشال حكوماته المُتعاقِبة لكل مساعي السلام العربية والدولية، بالإضافة لاستخدامه العنف المُفرط والقوة غير المُتكافِئة ضدّ العرب الفلسطينيين ، ما وضعهم في حَرَجٍ شديد مع شعوبهم ، وهذا يجعل مربّع الصراع الصهيوني العربي قابلاً للانفجار ويؤثّر على كامل منطقة الشرق الأوسط بسبب عُمقها العربي والإسلامي والمسيحي، وما مقاطعة الجامعات ومراكز البحث الأميركية والأوروبية بالإضافة لمقاطعة مُنتجات المستوطنات الصهيونية، ليس إلا بداية توجّه لفقدان الكيان لأهميّته لدى المواطن الغربي الذي يشكّل بمحصّلته ضغطاً على حكومته لتغيير موقفها منه.

وفي دراسة ليوسي بيلين وهو وزير إسرائيلي أسبق وأحد مهندسي اتفاق أوسلو، نُشرت عام 2005م صرّح:

بزوال العنصر الصّافي لليهود بسبب الزواج المُختلَط الذي أصبحت نسبته 60/100، وهذا يعني إمكانية اندماجهم بالمجتمعات التي قدموا منها وخصوصاً الأوروبية.

 وفي ذات السياق قال المُستشرِق د. كيفن بارت في مقال أشبه بالقنبلة ( العالم من غير إسرائيل ) :

أميركا لم تعد تملك الموارد العسكرية والمالية للاستمرار في دعم إسرائيل ضدّ رغبات أكثر من مليار إنسان بجوارها.

إن التحدّث بشكل علني أو من خلال التسريبات عن زوال الكيان العُنصري المُتطرّف من قِبَل أجهزة الاستخبارات العالمية ومراكز الأبحاث والاستشراق التي تعتمد الطبقة السياسية في الغرب على أبحاثها، تكمن في أنها موجّهة لعقل سكان الكيان الغُزاة ليفكّروا في وجودهم المارِق، والبحث عن مكان لاستقرارهم وخصوصاً أصحاب المعامل والشركات ورؤوس الأموال مع العِلم أن معظم اليهود من حَمَلَة الجنسيتين وهذا يؤدّي إلى دفع اليهود الصهاينة إلى الهجرة بشكل كبير من وطننا فلسطين وبدء نهايتهم المحتومة في انهيار ما تبقّى من الكيان الطارئ. 

التعليقات معطلة.