الأنباء عن استعداد روسيا لتمديد معاهدة خفض الأسلحة النووية مع الولايات المتحدة تفتح نافذة أمل في زمن الحروب المستمرة
ماري ديجيفسكي كاتبة
إن معاهدة “نيو ستارت” هي المساحة الوحيدة التي تشعر فيها روسيا بأنها تعامل كند للولايات المتحدة (رويترز)
ملخص
روسيا تعرض تمديد معاهدة “نيو ستارت” النووية عاماً إضافياً في خطوة تكشف هشاشتها الأمنية وتفتح نافذة محدودة لخفض التوتر. المقترح يضع الكرة في ملعب واشنطن و”الناتو”، وسط تصاعد الحرب في أوكرانيا وخطر سباق تسلح جديد.
إن كانت هناك رسالة واحدة يمكن استخلاصها من النزاع في غزة وأوكرانيا خلال الآونة الأخيرة، فهي “مزيد من الشيء نفسه”. فقد تبددت الآمال التي رافقت وصول دونالد ترمب إلى السلطة بوقف أعمال العنف. واليوم بالكاد تسمع كلمة “وقف إطلاق النار”، فيما مضى كل تطور في اتجاه مزيد من الحرب لا تقليصها.
أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، حذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من استعداد روسيا لقيادة العالم نحو “سباق التسلح الأكثر دماراً في تاريخ البشرية”. ومنذ 10 أيام، بعد توغل يرجّح أنه لمسيّرات روسية في الأجواء البولندية، حذر رئيس الوزراء البولندي، دونالد توسك، من أن بلاده أقرب اليوم إلى النزاع العسكري “من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية”. وقد أعطى ترمب الضوء الأخضر على ما يبدو أخيراً لاحتمال إسقاط دول “الناتو” المسيّرات الروسية التي تقتحم مجالها الجوي، فيما أيدته رئيسة الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين.
لكن هذا المشهد الكئيب اخترقه بصيص نور من مصدر غير متوقع على الإطلاق. فخلال بيان سبق اجتماع مجلس الأمن الروسي الدوري، أعلن فلاديمير بوتين أن روسيا تؤيد تمديد معاهدة الحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية عاماً إضافياً عند انتهاء صلاحيتها في فبراير (شباط) عام 2026، شرط أن تبادر الولايات المتحدة إلى الخطوة نفسها وتمتنع عن أية إجراءات قد تغيّر الواقع النووي القائم.
ولم يصدر عن الولايات المتحدة أي رفض تلقائي، فيما قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض إن المقترح يبدو “جيداً جداً”، مضيفة أن ترمب سيرد عليه بنفسه.
قد تتجاوز تداعيات المقترح حدود الطرفين الموقعين على المعاهدة. فهو لا يناقض المزاج الدبلوماسي السائد وحسب، بل يمكن أيضاً اعتباره خطوة متواضعة وواقعية لا تكلف الولايات المتحدة شيئاً، وتخدم في الوقت نفسه المصلحة الأمنية الأشمل.
وتعد معاهدة “نيو ستارت” آخر ما بقي من منظومة ضبط السلاح التي جرى التوصل إليها بعد مفاوضات شاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، ولاحقاً روسيا بعد انهيار الاتحاد. وخلال المحادثات مع الرؤساء الأميركيين المتعاقبين، مثلت المعاهدة بالنسبة إلى موسكو موضوعاً ثابتاً يمكن الركون إليه عند غياب قضايا أكثر إلحاحاً. ففي ظل غياب ملفات ملحة أخرى، كان موضوع الحد من التسلح، بما ينطوي عليه من قضايا تقنية وإجراءات لبناء الثقة، يضمن استمرار الحوار بين الجانبين. وهو أيضاً المجال الوحيد الذي تشعر فيه موسكو بأنها تعامل على قدم المساواة مع الولايات المتحدة.
وفي معرض طرحه تمديد المعاهدة سنة إضافية، قال المتحدث باسم الكرملين إن الوقت “ينفد” من أجل التفاوض على معاهدة جديدة، وإن الخطر هو الوصول إلى حال ليست فيها وثائق ثنائية تضبط الأمن الاستراتيجي. من شأن إبقاء المعاهدة سارية المفعول أن يتيح للطرفين تجنب أو في الأقل تأجيل، سباق التسلح المكلف الذي يحتمل أن يحدث إن انتهت صلاحية معاهدة “ستارت” الجديدة. وما أغفل المتحدث عن ذكره هو أن هذا العام الإضافي ربما يوفر فرصة ليس فقط للبحث في الخطوط العريضة لمعاهدة جديدة، بل ربما أيضاً لجس نبض الصين من أجل إبرام معاهدة نووية استراتيجية ثلاثية.
اقرأ المزيد
معاهدة “نيو ستارت” النووية لم تعد كافية
واشنطن تكشف عن ترسانتها النووية وتحض موسكو على ذلك
هل لا تزال سياسة الردع النووي الروسية فعالة؟
الرؤية الأميركية للرد النووي المحتمل من روسيا في أوكرانيا
أن تكون روسيا هي من اقترح تمديد “نيو ستارت” يحمل دلالة على قدر من الضعف نادراً ما تعترف به. ومع ذلك، أصر المتحدث باسم الكرملين، كما فعل بوتين خلال تصريحاته أمام مجلس الأمن القومي، على أن روسيا قادرة على تعزيز أمنها، حتى لو انتهت صلاحية المعاهدة. لكن لا شك في أنها تفضل عنصر الضمان الذي تعتقد بأن المعاهدة ما زالت توفره.
وقد يربط هذا الطرح بالحرب في أوكرانيا. فمسعى روسيا لإنقاذ ما بقي من ضوابط السلاح النووي بين القوتين العظميين يجب أن يكون مؤشراً للولايات المتحدة، وربما لـ”الناتو” أيضاً، إلى أن المخاوف الأمنية الروسية كانت في الأقل عاملاً مسهماً في قرار الغزو عام 2022. وكلما ناقش ترمب وبوتين ملف أوكرانيا، برز مجدداً موضوع الحاجة إلى معالجة ما تصفه موسكو بـ”القضايا الكامنة” كشرط للتوصل إلى تسوية دائمة للحرب.
يُشار مجدداً إلى أن أوكرانيا وحلفاءها الأوروبيين ليسوا وحدهم من يطلبون ضمانات أمنية من الولايات المتحدة، فروسيا تسعى إلى أمر مماثل. ومن هنا يمكن لتمديد معاهدة “نيو ستارت” أن يشكل خطوة أولى نحو مرحلة جديدة من الحد من التسلح النووي، في حين أن السماح بانقضاء المعاهدة سيكون تراجعاً خطراً قد يقوض الأمن العالمي.
ويشكل اقتراح الكرملين مبادرة مهمة تشي أيضاً بعدم شعور روسيا بالأمان – وهو أمر أدركه ترمب منذ فترة طويلة. غير أن هذا الاقتراح لن يمنح أملاً في عالم أكثر أمناً، ولو بقدر محدود، ما لم يؤخذ على محمل الجد. لقد قدم بوتين مبادرته، ومن غير المرجح أن يعيد طرحها. والخطوة التالية يجب أن تأتي من دونالد ترمب.