الدوحة متورطة في دعم التنظيمات المتطرفة الدوحة متورطة في دعم التنظيمات المتطرفة
من يجيدون اللغة العربية لا شك أصابهم من قبل الإحباط بسبب الصورة المزدوجة لقطر وحلفائها من الإخوان المسلمين. فهي تتحدث في المنطقة العربية بطريقة، وتحدث العالم بطريقة أخرى.
لكن الظاهر من مؤتمر “قطر في منظور الأمن والاستقرار الدولي”، أن الوضع ليس على هذه الدرجة. على العكس، لقد صارت لعبة اللغة المزدوجة أوضح.
دكتور ألان مندوزا، وهو مؤسس مركز هنري جاكسون، الداعم للديمقراطية وحقوق الإنسان، عبر عنها بسلاسة: “لقد حدث تقاطع بين الصورة التي أرادت قطر أن تصدرها عن نفسها إلى العالم، وبين حقيقة الوضع”. لقد أرادت قطر أن تصدر إلى العالم صورة عن دولة
تستخدم ثراءها في القوة الناعمة، والعالم لا يمانع في ذلك، لكن بمجرد أن لاحت لها الفرصة لاستخدام “القوة المباشرة” منذ عام 2011، عرف العالم في أي اتجاه كانت القوة الناعمة تصب. في اتجاه دعم التطرف والتشدد. فتحول “الربيع العربي” من فرصة لقطر إلى “مصيدة لها”. ففقدت حلفاءها التقليديين. والآن تنحاز أكثر إلى إيران، مما سيفقدها حلفاء آخرين.
قبل أن أسترسل، أريد أن ألفت النظر إلى نقطة عامة التبست على كثير من التغطية الإعلامية لنشاط المعارضة القطرية في لندن. هناك حدثان مرتبطان بالمعارضة القطرية، لكنهما منفصلان عن بعضهما. المؤتمر السياسي الذي عقدته المعارضة القطرية لكي تعبر عن طموحها السياسي، هذا واحد، أما الآخر، وهو الذي نتناوله كصحفيين، فهو مؤتمر نقاشي محدد العنوان “قطر في منظور الأمن والاستقرار الدولي”. كما يشير العنوان، هذا الحدث النقاشي ينظر في دور قطر “الدولي”، في دوائره المختلفة. وهو مؤتمر متنوع، المتحدثون فيه، ما عدا اثنين، لا يعبرون عن المعارضة القطرية وغير مرتبطين لها، ولا حتى متبنون لوجهة نظرها أو معبرون عنها، وتلك ميزة له، لأن الإعلام الغربي لن يستسيغ مؤتمرا نقاشيا يتحدث في اتجاه واحد. المحاوران الرئيسيان للضيوف هما جون سيمبسون، كبير مراسلي بي بي سي السابق، والصحفي المخضرم الذي كان مسؤولا عن تغطية كل حدث سياسي كبير في العقود الماضية. والثاني هو جيمس روبن، المتحدث باسم البيت الأبيض في عهد الرئيس بل كلينتون (وهو أيضا زوج الإعلامية الأبرز في سي إن إن كريستيانا أمانبور). هذه أسماء لها وزنها في الإعلام الغربي.
أما قائمة الحضور ففيها زعيمان سابقان لحزبي المحافظين والليبراليين الديمقراطيين في بريطانيا، وجنرال تشارلز وولد، نائب قائد المنطقة الأوربية في الجيش الأمريكي، والخبير الحالي في شؤون الأمن الدولي، ودوف زاكيم، مساعد وزير الدفاع الأمريكي، وكبير مسؤولي المالية في الوزارة في عهد جورج بوش الابن.
هذا الأخير أشار في المؤتمر إلى أن قطر سعت لدى اللوبي اليهودي في أمريكا لكي يتبنى وجهة نظرها، بالإشارة إلى دعوة الشيخ تميم بن حمد للاجتماع بهم (وهآرتس الإسرائيلية نشرت أن قطر توقع عقدا مع منظمة دعاية لنفس الغرض). لكن أصواتا داخل المجتمع اليهودي تعارض هذا “التجميل” حتى تتخلى قطر عن دعم الإرهاب. كما في الصورة المرفقة من إعلان نشرته منظمة يهودية أميركية.
قطر.. الإرهاب. قطر.. الإرهاب. هذا ما يحدث في الإعلام حاليا. كلما ذكرت كلمة قطر ذكرت كلمة الإرهاب.. وهذا بغض النظر عما يقال في المنتصف. هذا الترابط الشرطي بين اللفظين، بعد وضع قطر في بؤرة الضوء، يعني ارتباطا شرطيا في ذهن المواطن الغربي، وصولا إلى
تكوين رأي عام.
وهذا يقودنا إلى سؤال تال أثير في المؤتمر، هل وصلت قطر إلى “نقطة الفيض”؟ أي إلى النقطة التي تجعل الرأي العام الغربي ينقلب عليها.
الجنرال وولد رد إجابة بسيطة، “حتى الآن معظم الأمريكيين لا يجيدون نطق كلمة قطر، ولكن قريبا، حين يرى الرأي العام الأمريكي إن قطر تعمل ضد مصالحهم سيكون لهم رأي آخر”.
هذه الجملة لخصت الحالة “الإعلامية” القطرية. لو نظرنا إلى الصورة المنشورة في الإعلان الذي يحث على رفض التعاون مع قطر حتى تخليها عن الإرهاب سنلاحظ الصورة الذهنية. رأس الدولة القطرية محاط بمعدات “تجميل”، سشوار شعر وبودرة وجه. من أين أتت هذه الصورة؟ أتت من الحالة الذهنية عن قطر. هذا المؤتمر تحول إلى البحث عن صورة قطر “في منظور نفسها”. أي الصورتين هي الحقيقة، التي تصدرها للغرب، أما التي تتحدث بها إلى الجمهور العربي. المكياج، أم الوجه الطبيعي؟
ليس في ما سبق ادعاء بأن هذا ما يتبناه الإعلام الغربي، الموضوع أعقد من هذا. إنما المقصد أن الإعلام الغربي يسمع الآن كلاما مختلفا، بعد أن كانت الآلة الإعلامية القطرية متملكة لأذنيه كليهما. حتى الدستور القطري الصادر عام 2003 تناوله خبير دستوري بريطاني ليثبت كيف أن بنوده ليست أكثر من حبر على ورق، وهو الدستور الذي قدم على أنه تمهيد لتحول الدولة الخليجية إلى ملكية دستورية، وهكذا روج له في الإعلام الغربي.
تحولت هذه الآلة الإعلامية القطرية من بقعة ضوء وظيفتها إبراز “بطل المسرحية” وجماله وتصميم أزيائه، إلى بقعة ضوء تتخلل هذه الملابس فتكشف عن ما تخبئه. وتدعو العيون لمتابعته والإمعان فيه وتدقيق النظر والفحص. ربما كان من الأفضل ألا يكون في بؤرة الضوء من الأساس.
الحضور يتفقون في هذه النقطة على شيء واحد، “لو استمرت قطر على نفس الطريق،” يقول جنرال وولد، “ستجد نفسها على الجانب الآخر من الغرب ومجلس التعاون الخليجي. وعند نقطة سنقول لقطر إننا سنجد مكانا آخر لطائراتنا.” في إشارة إلى القاعدة الأميركية
الكبرى على الأراضي القطرية.
ويبدو أن قطر حتى الآن لا تدرك مدى جدية عاملين ينطلقان من منطقة الشرق الأوسط ويصلان إلى البعد الدولي. أولهما أهمية مجلس التعاون الخليجي واستقراره، والثانية الإرهاب ورعاته مثل إيران. حين يشير جنرال وولد بعبارة “الجانب الآخر من الغرب ومجلس التعاون” فهذا ما يعنيه. الاصطفاف مع طهران، الاصطفاف على الجانب الآخر من مصلحة الاستقرار.
هذا الخيط نفسه التقطه الباحث السياسي ألان مندوزا، في إجابته البسيط عن كيف يلخص المرحلة الحالية من السياسة القطرية؟ “إيران من مصلحتها أن تحدث شرخا في العلاقات الخليجية، وقطر تقدم لها نفسها كإسفين”.
مهنة الصحافة تعلم أن الجمل القصيرة كتلك هي، أولا لأنها تعبر عن مجهود بذل في تفهم الوضع وصياغة التغبير عنه، وثانيا لأنها تثبت في ذهن المستمع. لم نكن نسمع هذه الجمل من قبل عن قطر، وعلى ألسنة ضيوف بهذا المستوى من الإدراك والتأثير، وفي مقابلات مع محاورين على هذا المستوى من التمحيص في الحوار. انطباعي الذي خرجت منه في المؤتمر النقاشي هو أن الإعلام الغربي أخيرا يسمع “سردا” آخر للرواية القطرية. سردا التقطه الصحفي محمد فهمي حين حاوره جون سيمبسون، فبدأ بتويتات أحمد منصور، العربية مقابل الإنجليزية، كتعبير عن الازدواجية القطرية. الأمثلة البسيطة السهلة أفضل في مخاطبة غير المتخصصين من الصحفيين الغربيين.
أخيرا فإن قطر تعلم مدى أهمية هذا المؤتمر، على الرغم من محاولة الإعلام المقرب منها التقليل من شأنه. والدليل على ذلك ما ذكره بادي أشداون، زعيم حزب الليبراليين الديمقراطيين السابق، والمنتقد لغير قطر من دول الخليج، عن محاولة قطر الضغط عليه، وعلى عضو البرلمان عن حزب المحافظين دانيل كوازينسكي، لكي لا يحضرا المؤتمر. وسائل الإعلام القطرية اللندنية كانت موجودة لتغطية المؤتمر.