بقلم:عدنان حسين
صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية من الصحف الدولية المرموقة التي تعرف عن أوضاع منطقتنا أكثر بكثير ممّا نعرفه وتعرفه مؤسساتنا الإعلامية.عدا عن مستوى المهنية وتراكم الخبرة الطويلة، فإن السبب الرئيس لهذا الاختلاف يكمن في أنّ صحافيي”نيويوك تايمز” ونظيراتها تنفتح لهم أبواب تظلّ موصدة أمام صحافيينا، ذلك أنّ حكامنا وأتباعهم، في غالبيتهم، لديهم عقدة الأجنبي.“نيويورك تايمز” نشرت أمس تقريراً أفاد بأنّ الدولة السعودية نجحت في استعادة أكثر من 100 مليار دولار أميركي من مجموعة من كبار رجال الأعمال، بينهم أفراد من العائلة المالكة، احتُجِزوا عدة أسابيع ووُجّهت إليهم تهم الفساد الإداري والمالي والكسب غير المشروع.
ظلّت الدولة السعودية على الدوام في وضع مالي مريح للغاية، وهي لم تزل كذلك، بفضل النفط الذي تحتلّ السعودية المركز الأول بين الدول المنتجة والمصدرة له. والسعودية كما معظم الدول النفطية تعاني من ظاهرة الفساد الإداري والمالي، فوضعت ستراتيجية وطنية لمكافحته وحماية النزاهة، ولم تتأخر في اتخاذ خطوات حازمة وحاسمة للشروع بها ومواصلة تطبيقها. في هذا الإطار جاء أخيراً الإجراء الراديكالي باحتجاز العشرات من كبار المتورّطين في ممارسات تنتمي الى هذه الظاهرة.
نحن في العراق نحتلّ مركزاً متقدّماً للغاية في الفساد الإداري والمالي، ولا ينافسنا على المركز الأول سوى الصومال وأفغانستان وجنوب السودان. ما مِنْ أحد من كبار المسؤولين في هذه الدولة لم يقرّ ويعترف بوجود هذا الفساد وبانفلات ممارسته، ولا بمسؤوليّة الأحزاب الحاكمة (إسلاميّة في الغالب) عنه. هم جميعاً ظلوا يضربون على الصدور تعهّداً بمكافحته واجتثاثه، لكنّنا كنّا دائماً نسمع جعجعة ضاجّة ولا نرى طحناً.
رئيس الوزراء حيدر العبادي سجّل الرقم القياسي في الحديث عن الفساد ومكافحته والتعهّد بقطع دابر الفاسدين والمفسدين، بل هو أعطانا الانطباع بأنه ما إن يفرغ من تحرير العراق من داعش حتى يُشعل نار حرب مقدّسة لا هوادة فيها ضد الفساد، لكنّنا بدلاً من ذلك وجدناه يفتح جبهة حرب لا طائل منها ولا نفع فيها مع إقليم كردستان، فيما لم يتوانَ عن ضمّ فاسدين إلى التحالف الذي سيخوض به انتخابات أيار المقبل التي يتطلّع لأنْ تُرسِّمه مرّة أخرى رئيساً للحكومة.
المفروض أن تكون هذه هي الفترة الذهبيّة لأنْ يضرب العبادي ضربته القاضية في ميدان مكافحة الفساد، فمن شأن إجراءات حازمة وحاسمة يتّخذها في هذه الفترة أن تجعل منه بطلاً وطنياً ولن يستطيع أحد مزاحمته انتخابيّاً.. لكنّه يتبدّى لنا الآن أيضاً، كماعلى مدى السنوات الثلاث ونصف السنة الماضية، شخصية متردّدة في اتّخاذ القرار اللازم وخائفة من الإقدام على الخطوة الحازمة والحاسمة، على الطريقة السعوديّة مثلاً.