العدالة فى الدائرة الإنسانية

1

 
د.أيمن رفعت المحجوب
 
إنه من الظلم الاجتماعى الذى يتنافى أيضاً مع العدالة، أن تطغى مصالح الفرد ومطامعه على مصلحة الجماعات، ومن الظلم أيضاً أن تطغى الجماعات ومصالحها على فطرة الفرد وطاقاته الإنتاجية!.
 
 
 
لذلك فلا ينبغى – كما يرى الدين الإسلامى – أن يغفل حق الفرد فى انطلاق نشاطه، فى الحدود التى لا تضر بصالح المجتمع، ولا بصالح هذا الفرد ذاته، ولا تصطدم بأهداف الحياة العليا، فالحياة تعاون وتكافل فى نظر الإسلام، لا حروب وتنازع وخصام ، كما أنها إطلاق للطاقات الإنتاجية والإبداعية الفردية والعامة، وليست كبتاً وحرماناً وسجناً. فكل ما ليس حراماً ، فهو مباح ، إذ أن الأصل في المنافع الإباحة وفى المضار التحريم) !.
 
وهذا الشمول والإحاطة فى نظرة الإسلام الوسطى (الحقيقي) إلى الحياة. وتجاوز القيم الاقتصادية البحتة إلى سائر القيم التى تعتمد الحياة عليها، يجعله أقدر على إيجاد توازن وتعادل فى المجتمع، وعلى تحقيق العدالة في الدائرة الإنسانية كلها.
 
فالعدالة في نظر الإسلام، مساواة ينظر فيها إلى تعادل جميع القيم، بما فيها القيمة الاقتصادية البحتة، وهى تكافؤ فى الفرص المتاحة، وإطلاق للمواهب لتعمل وتنشط، ضمن الحدود التى لا تتعارض مع الأهداف العليا للحياة أو النص القرآنى.
 
ولكون القيم فى نظر الإسلام كثيرة متمازجة، كانت العدالة فى مجموعها أيسر، لذلك لم يضطر الإسلام إلى تحكيم المساواة الاقتصادية. بمعناها الحرفى الضعيف ( أى المساواة بين من يعمل ومن لا يعمل)، والذى يصطدم بالفطرة ويتعارض مع طبيعة المواهب المتفاوتة والقدرة على العمل).
 
ويعوق الاستعدادات الفائقة، ويسوي بينهما وبين الاستعدادات الضعيفة (بحيث أعدل الاسلام بين الراعي في العمل – وإعطاؤه حقه – وغير الراغب في العمل – وإعطاؤه قدر رغبته – وهذا هو العدل الاجتماعي بعينه). فليس هناك مساواة مطلقة. حيث أنه لم يمنع أصحاب المواهب الفذة من إنفاق مواهبهم لخير أنفسهم ولخير الأمة ، فيحرم الأمة ، ويحرم الانسانية نتاج هذه المواهب الخيرة.
 
فقد قدر الإسلام مبدأ تكافؤ الفرص، ومبدأ العدل بين الجميع، ثم ترك باب الاجتهاد مفتوح للتفاصيل بالجهد والعمل، وجعل القيمة الأصلية فى المجتمع المؤمن بالله، شيئاً أخر غير القيم الاقتصادية: “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” (الحجرات13).
 
وختاماً أظهر الله لنا عز وجل قيمة العلم والعمل والإيمان والتوحيد فى قوله: ” يرفع الله الذين أمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات” (المجادلة11).
 
وأقر قانون المال والعمل والأسرة والأبناء في قوله تعالى: “المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً” (الكهف 46).
 
وعلى ما تقدم نوضح أن نظرة الدين الإسلامي شمولية للدنيا والأخرة ، حيث يحث الإنسان على العمل والتمتع بخير الدنيا التى وهبها الله للبشرية، ولكن دون أن يظلم المجتمع والآخر، وعليه دائماً أن يتذكر أن كل فعل في الأرض له ثواب أو عقاب فى الأخرة.

التعليقات معطلة.