محمد عبد الصادق
العدوان «الإسرائيلي» الوحشي المستمر على غزَّة منذُ قرابة عام ونصف، جعل المزاج العامَّ للمواطن العربي في منتهى السُّوء، مع شعوره بالعجز عن نجدة أو مساعدة إخوانه المستضعفين في فلسطين، وراح ينحى باللَّائمة على الأنظمة الرسميَّة، الَّتي يرَى أنَّ مواقفها السَّلبيَّة تجاه ما يحدُث، أسْهَم في تغوُّل العدوان «الإسرائيلي»، وإمعانه في القتل والتَّنكيل بالمَدَنيِّين العُزَّل، الَّذين يراهم كُلَّ يوم على شاشات التلفاز، وهُمْ يكابدُونَ ويلات الحرب والتَّهجير على أيدي سفَّاحِين نُزعتْ من قلوبهم الرَّحمة والإنسانيَّة، يمارسون كُلَّ صنوف الإبادة الجماعيَّة، دُونَ أن يجدوا من يردعهم أو يوقف اعتداءاتهم الوحشيَّة.
لم يجدِ المواطن العربي سوى مواقع التَّواصُل الاجتماعي، للتَّعبير عن غضبه تجاه ما يحدُث في غزَّة، ولا مانع وسط هذه الحالة من الاحتقان، أن تطفوَ على السَّطح المطالب الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، والحديث عن الفساد ونهبِ المال العامِّ والتَّفاوت الطَّبقي، وانعدام الفرص وانسداد الأُفق أمام الشَّباب الباحث عن عمل، وتأجيج المشاعر بالحديث عن مظالم داخليَّة، ومطالب فئويَّة لا تنتهي.
في ظلِّ هذه الأجواء المشحونة بأخبار المجازر الَّتي يرتكبها العدوُّ «الإسرائيلي» في غزَّة، استغلَّ بعض ضعاف النُّفوس الفرصة؛ لتأجيجِ المشاعر وتأليب الرَّأي العامِّ العربي على الأنظمة والحكومات، مستخدِمًا خِطابًا تحريضيًّا، مستغلًّا العاطفة الدِّينيَّة المتأصلة داخل المُجتمعات العربيَّة، وبدلًا من تقوية اللُّحمة الوطنيَّة، والوقوف صفًّا واحدًا في مواجهة العدوان «الإسرائيلي» على الفلسطينيِّين، سعوا لإحداثِ الوقيعة بَيْنَ الشعوب العربيَّة والأنظمة الحاكمة، في إعادة إنتاج لِمَا سُمِّي بالرَّبيع العربي، الَّذي اجتاح المنطقة في العام 2011م ولم تجنِ من ورائه الشُّعوب العربيَّة، الَّتي اكتوَتْ بناره، غير الخراب والدَّمار، والَّتي ما زالتْ آثاره مستمرَّةً حتَّى اليوم.
فهناك دوَل عربيَّة قُسِّمتْ وأصبح لها حكومتان وعاصمتان، وما زالتِ الحروب الأهليَّة مستمرَّة في دوَل عربيَّة أخرى، لا نعلمُ مصيرها ولا مستقبلها بعد أن فقدَتْ مُقوِّمات الحياة، هناك نِصف الدوَل العربيَّة تحتاج لإعادة الإعمار، الَّذي لم يبدأ لعدَمِ توافر الأموال وانفضاض دوَل العالَم وجهات التَّمويل عن تمويل كُلِّ ما هو عربي، لِغيابِ اليقين، وضبابيَّة المستقبل، وانعدام الأمن والاستقرار والأُفق السِّياسي.
الأنظمة العربيَّة الرَّسميَّة في مأزقٍ سحيق، طالَما العدوان «الإسرائيلي» مستمرًّا على غزَّة، فهي محشورة بَيْنَ قطبَي الرَّحى، موقف دولي صامت تجاه ما يحدُث في فلسطين، وانحياز أميركي صارخ لـ «إسرائيل»، بل إنَّه فاقَ طموحات نتنياهو وعصابته الحاكمة، الَّذين أغراهم الدَّعم الأميركي، بالانسحاب من مفاوضات وقف العدوان وإعادة الأسرَى، وفضَّلوا العودة للحرب دُونَ مُبرِّر، فلا أهداف باقية تَصلُح للقصفِ في غزَّة، ولا أسرَى يُمكِن أن يصلوا إِلَيْهم أحياء، ولكنَّهم قرَّروا استغلال الانحياز الأميركي في سفكِ دماء أكبر قدرٍ من الدِّماء الفلسطينيَّة، ومحاولة إنفاذ خطَّة التَّهجير الَّتي طرحَها ترامب، والَّتي رفضَتْها الدوَل العربيَّة، ولكن على استحياء، حيثُ غابَ مُعْظم القادة العرب عن اجتماع القمَّة الَّتي رفضتِ التَّهجير، وتبنَّتِ الخطَّة المصريَّة لإعادة إعمار غزَّة.
ورأي عامّ عربي غاضب وضاغط، يُحمِّل الأنظمة الرسميَّة مسؤوليَّة العجز عن وقف العدوان ولجمِ «إسرائيل»، وإدخال المساعدات لأهالي غزَّة المنكوبِينَ، يُغذِّيه خِطاب تحريضي، يخلط الأوراق، ويزجُّ بمطالب محليَّة لا مجال لطرحِها الآن، فما أحوَجَنا لوحدةِ الصَّف، وتمتين اللُّحمة الوطنيَّة، ورصِّ الصُّفوف، في مواجهة خطر خارجي يتربَّص بالدوَل العربيَّة، فلا أرَى رصاصات تُطْلق إلَّا لسفك الدِّماء لعربيَّة، ولا صواريخ توَجَّه إلَّا لِتَدمير الأرض العربيَّة، عروبتنا مستهدفة، فلا حرائق مشتعلة إلَّا هنا، بعد أن توقفتِ الحروب في آسيا وأميركا اللاتينيَّة.
محمد عبد الصادق