في خطوة قد تكون الأخطر منذ انهيار الاتفاق النووي، وجه الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب إنذارًا مباشرًا إلى طهران، منحها مهلة لا تتجاوز أسبوعين لحسم موقفها من ملفين متداخلين: البرنامج النووي، وسحب الفصائل المسلحة التابعة لها من العراق. لكن خلف هذا الإنذار، تتكشف معادلة جديدة تُخرج طهران من دائرة المناورة وتضعها على حافة الخطر الوجودي السياسي والأمني .
من التفاوض إلى التصفية. نهاية معادلة “النفوذ مقابل التخصيب” ما تطرحه واشنطن اليوم لا يشبه الطروحات السابقة في عهد أوباما أو حتى البدايات المترددة لإدارة بايدن السابقة. فترامب لا يُفاوض، بل يُصفي. لا يعرض تخفيض التخصيب مقابل انسحاب من العراق، بل يطلب من طهران
الانسحاب النووي والإقليمي الكامل .
هذا الموقف يعكس إدراكًا أميركيًا بأن أي اتفاق نووي جديد لا يمكن أن يصمد أو يُضمن فاعليته طالما ظلت طهران تحتفظ بذراع عسكرية مرنة، تنشرها عبر المنطقة، من العراق إلى لبنان واليمن. وبذلك، فإن المفاوضات النووية باتت مرهونة بإعادة هيكلة النفوذ الإيراني في المنطقة، وخصوصًا في العراق، حيث تمثل الفصائل المسلحة أبرز تجليات هذا النفوذ .
المهلة كرسالة استراتيجية .
من الداخل الأميركي إلى طهران توقيت المهلة ليس تفصيلاً تقنيًا، بل يحمل دلالات عميقة:
داخليًا، يُرسل ترامب رسالة إلى جمهوره بأنه الأكثر حسمًا في “لجم التهديد الإيراني” مقارنة بسابقيه .
إقليميًا، يؤكد لحلفاء واشنطن، وخاصة في الخليج وإسرائيل، أن واشنطن استعادت إرادتها الاستراتيجية بعد سنوات من التراخي .
لطهران، يقول ترامب: انتهى زمن شراء الوقت، وأي محاولة لمناورة سياسية ستُفسَّر على أنها تحدٍّ يستوجب الرد .
العين الإسرائيلية على مفاعل نطنز: ضربة وقائية؟
تتزامن هذه المهلة مع تصعيد نبرة التهديدات الإسرائيلية، التي بلغت ذروتها مؤخرًا بتصريحات صريحة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أعلن فيها أن إسرائيل “مستعدة للعمل منفردة” لضرب المفاعلات النووية الإيرانية، إذا اقتضى الأمر، دون انتظار التنسيق الكامل مع واشنطن .
هذا التهديد، وإن بدا في ظاهره ورقة ضغط ضمن الحملة المشتركة، إلا أنه يعكس قناعة إسرائيلية بأن المهلة الأميركية ليست كافية لضمان أمنها، وأن إيران قد تستخدم الوقت لاستكمال ترتيبات استراتيجية تحول دون قدرة تل أبيب على التحرك مستقبلاً.
الصورة الكبرى .
ما بعد الانسحاب الأميركي من المنطقة التحول في سياسة ترامب قد يُفهم أيضاً في سياق إعادة تشكيل الدور الأميركي في الشرق الأوسط. فبعد مرحلة الانسحاب والتقليل من الانخراط العسكري، تعود واشنطن الآن لكن وفق معادلة أكثر حزمًا .
لا وجود إيراني ظلي في العراق، ولا قدرة نووية لطهران في الداخل. وهي معادلة تشكل من وجهة النظر الأميركية أساسًا لأي استقرار مقبل، وتعيد رسم التوازنات لا على قاعدة تقاسم النفوذ، بل فرض الهيمنة على بؤر التهديد.
الخيارات الإيرانية .
بين الانسحاب المنظّم والانفجار المؤجل الرد الإيراني، كما يبدو حتى الآن، يميل إلى التجاهل الظاهري والتهدئة التكتيكية، لكن المهلة تُرغِم طهران على أحد خيارين:
انكفاء استراتيجي مدروس: يشمل سحب الفصائل من العراق، والعودة إلى مفاوضات نووية بشروط أشد، وهو خيار مكلف سياسيًا داخليًا لطهران.
المواجهة المدروسة: تبدأ عبر الفصائل، لكنها قد تستدرج ضربات أميركية وإسرائيلية تؤدي إلى تصعيد شامل لا يمكن احتواؤه .
وفي كلتا الحالتين، تواجه طهران خطر فقدان أهم أوراقها في المعادلة الإقليمية .
ما بعد الأسبوعين؟ المهلة الأميركية ليست فقط اختبارًا للنوايا، بل علامة فارقة في مسار المواجهة المفتوحة. فإما أن تستجيب طهران وتدخل في مسار التراجع الاستراتيجي، أو تقرر المجازفة وتواجه تحالفًا غير معلن لكنه جاهز: أميركا، إسرائيل، ودول الخليج.
الأسبوعان القادمان ليسا زمنًا تفاوضيًا بل مهلة ما قبل العاصفة. ومن لا يفهم طبيعة هذا التحول، قد يستفيق على مشهد يتغير جذريًا، لا في طهران فحسب، بل في بغداد ودمشق وبيروت أيضًا .