يعاني العراق من ظاهرة انتشار النفايات، خصوصاً عند ضفاف نهر دجلة، من دون أيّ تدخل حكومي لمعالجتها بأساليب حديثة، وترك الأمر يقتصر على «حملات شبابية خجولة» لتنظيف هذا النهر التاريخي، فيما تتعمّق أزمة انتشار النفايات في مخيمات النازحين الإيزيديين في إقليم كردستان العراق، وسط تحذيرات من احتمال تعرضهم لـ»إبادة بيئية».
وحمل النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، محما خليل علي آغا، أمس الاثنين، الحكومة والمنظمات الإنسانية مسؤولية الأوضاع المأساوية في مخيمات النازحين في إقليم كردستان العراق، محذراً من «إبادة» جديدة قد تطال النازحين.
وذكر مكتبه الإعلامي للنائب الإيزيدي إن «الحكومة والمنظمات الإنسانية الدولية تتحمل المسؤولية الأخلاقية نتيجة الأوضاع الصعبة في مخيمات النزوح الخاصة بأهالي سنجار في إقليم كردستان»، محذراً من «إبادة بيئية جديدة قد تطالهم نتيجة تراكم النفايات في مخيمات النازحين في إقليم كردستان». واستنجد علي آغا «بكل الجهات المعنية بضرورة توفير المستلزمات اللازمة للنهوض بواقع النازحين المزرِ، إذ إن النازحين يمرون بظروف صعبة بعد مغادرة المنظمات وعدم اهتمامها لظروف المخيمات».
وانتقد وزارة الهجرة والمهجرين الاتحادية، قائلاً إن «الوزارة تهتم بعوائل الدواعش وتهمل عوائل النازحين».
في المقابل، تنهمك الشابة رسل بالتقاط النفايات البلاستيكية من على ضفاف نهر دجلة الذي يقسم العاصمة العراقية بغداد قسمين، ضمن حملة تنظيف يتولاها متطوعون شباب في بلد يعاني من انتشار النفايات ويفتقر للأساليب الحديثة في معالجتها.
وتشارك رسل مع مئتي متطوع آخرين في مبادرة «سفراء النظافة» التي لا تقتصر مهمتها على تخليص المدينة من القمامة، بل أيضاً إلى زيادة الوعي البيئي في مدينة باتت شوارعها ونهرها التاريخي أشبه بمكبّ للنفايات البلاستيكية وغيرها من المخلفات المضرّة بشكل كبير في البيئة، على غرار مناطق أخرى في البلاد.
وتقول رسل، التي فضّلت عدم كشف اسمها الكامل، وهي طالبة جامعية تبلغ 19 عاماً، تشارك للمرة الأولى في هذه المبادرة: «الهدف من مشاركتي هو جعل مدينتي أجمل، أكره رؤية ضفة هذا النهر بهذا الشكل، نريد تغيير هذا الواقع».
وتركّزت عملية التنظيف هذه تحت جسر الأئمة، الذي يفصل الكاظمية والأعظمية، وهما من أعرق أحياء بغداد القديمة.
وفي الأيام التي تلي العطل الرسمية، تمتلئ ضفاف نهر دجلة التي تشكل مساحاتها الخضراء مقصداً للعائلات ومجموعات الأصدقاء، بعبوات المشروبات أو الأكياس البلاستيكية أو أنابيب الشيشة البلاستيكية. وغالباً ما تنتهي النفايات مباشرة في النهر.
ويقول أحد سكان الأعظمية مبتهجاً برؤية المشاركين من أحياء متفرقة من بغداد لـ»فرانس برس»: «هذه المرة الأولى التي تنظف فيها هذه المنطقة منذ 2003».
ويقول علي، الطالب الجامعي البالغ 19 عاماً، وهو من منظمي هذه الحملة الثامنة في إطار المبادرة، إن «الهدف الأول منها هو التوعية ونشر رسالة بأنّ هناك شباباً يساعدون ويقدمون الدعم لتنظيف بلدهم».
ويشير علي، الذي فضل أيضاً عدم كشف كامل هويته، إلى أن أكثر النفايات التي يعثر المتطوعون عليها هي «البلاستيك والنايلون والفلين». ووفرت البلدية لهذه الحملة كابسات نفايات لنقلها إلى مكبات.
وينتهي بعلب البلاستيك المطاف في نهر دجلة الذي يواجه انخفاضاً حاداً في مستواه بسبب الجفاف المتكرر والسدود التي أقيمت في المنبع. في اتجاه المصب، ينتهي الأمر بهذه النفايات في الخليج، ما يترتب عنه عواقب وخيمة.
وحسب الأمم المتحدة، فإن الأكياس البلاستيكية «تسد مجاري التنفس والمعدة لدى مئات الأنواع»، و»غالباً ما تبتلعها السلاحف والدلافين اعتقاداً منها بأنها طعام لها».
وإثر سنوات من الحروب والصراعات المتتالية، لم يكن الاهتمام بالنفايات من أولويات الحكومات المتعاقبة على العراق، كما يشرح عزام علواش مؤسس منظمة «طبيعة العراق» غير الحكومية.
وفي جميع أنحاء العالم، يعاد تدوير 10 ٪ فقط من نفايات البلاستيك، وفقاً لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.
أما في العراق، فينتهي الأمر أحياناً بهذه النفايات عند جمعها في مكبات مفتوحة حيث يتم حرقها. ويخلو العراق الغني بالنفط من معامل إعادة تدوير النفايات التي يجري طمر بعضها قرب المناطق السكنية وبعضها الآخر خارج المدن.
ويشرح علواش بأن العراق يفتقر لآليات «جمع للنفايات والتخلص منها بطرق حديثة. لا يوجد مطمر صحي، وإعادة تدوير البلاستيك لا تحمل جدوى اقتصادية».
لا تنتشر في المجتمع العراقي ثقافة فرز النفايات، ما يزيد من تعقيد المشكلة. أما مشارف المدن، فقد باتت مسرحاً لحرق أطنان من النفايات ما يخلف سحباً دخانية، لا سيما في المطامر التي يظلّ بعضها مشتعلاً باستمرار. ويشكل ذلك مصدراً للتلوّث وانتشار الأمراض.
ويقول علواش بهذا الخصوص: «الحرق يؤدي إلى تلوث في الهواء، ما يؤدي إلى تقصير معدل عمر العراقيين»، لافتاً إلى أن المشكلة تكمن في أن «الدولة ليست لديها أموال لبناء مشاريع للتدوير».
ويحذر مسؤول مشروع «تكامل» الممول من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية حيدر العبدلي، من الانبعاثات التي تسببها النفايات العضوية من مكبات النفايات. ويوضح أن «هذه الانبعاثات تسبب أمراضاً سرطانية».
ويضيف: «المشكلة أن 60٪ من نفايات الأسر العراقية عضوية، وعندما تتحلل تتحول إلى غاز الميثان». ويقوم الحلّ لهذه القمامة العضوية بتحويلها إلى أسمدة.
وتسهم الغازات المختلفة السامة في زيادة أمراض الجهاز التنفسي وانبعاثات غازات الدفيئة، وهي ظاهرة يبدي خبراء المناخ في الأمم المتحدة قلقاً حيالها. وتقرّ وزارة البيئة بهذه المشكلة المتعلقة بحرق النفايات. وقال وزير البيئة جاسم الفلاحي، في مقابلة مع وكالة الأنباء العراقية، إن «حرق هذه النفايات بهذه الطريقة بلا شك سيولد مخلفات وغازات سامة تؤثر على حياة وصحة الناس».
وعلى الرغم من الحملات التي أقيمت أخيراً على يد بعض الشباب، يرى علواش أن الوعي لا يزال محدوداً. ووسط غبار التنظيف، يقول المتطوع علي: «أشعر بالحزن، ليس دجلة فقط بل العراق كله يعاني من النفايات».
لكنه يأمل أن تزيد «هذه الحملات وعي الناس»، قائلاً: «البعض بدأ بعدم رمي الأوساخ بالشارع وبدأوا بالتطوع معنا».
المصدر: القدس العربي