العراق بين الانسحاب الأميركي والمناورات الإيرانية: مؤشرات على زلزال قادم

15

 

تشهد الساحة العراقية هذه الأيام تزامنًا لافتًا في الأحداث، يشي بأن البلد مقبل على منعطف خطير أو إعادة رسم لمعادلة النفوذ الإقليمي والدولي فيه. فما بين الانسحاب الأميركي من قاعدة عين الأسد غرب العراق، والمناورات العسكرية الإيرانية على الحدود الشرقية، وأحداث السليمانية التي انتهت باعتقال رئيس حزب “مردي” لاهور جنكي، تبدو الصورة وكأنها إشارات مبكرة لشيء أكبر يتبلور خلف الكواليس.
إعادة تموضع أميركي
الانسحاب الأميركي من قاعدة عين الأسد ونقل القوات إلى الكويت خلال خمسة أيام متتالية لا يبدو خطوة عشوائية. واشنطن اعتادت في لحظات التصعيد أن تعيد تموضع قواتها بعيدًا عن الخطر المباشر، سواء استعدادًا لعملية عسكرية أو تحسبًا لرد محتمل من خصومها. هذا التحرك يعكس قلقًا استخباريًا أو استعدادًا لمرحلة مختلفة، قد يكون عنوانها مواجهة مع إيران أو حماية القوات من تصعيد داخلي في العراق.
رسائل إيرانية بالنار
بالمقابل، جاء إعلان المناورات الإيرانية ليحمل رسائل متعددة. فمن جهة، تؤكد طهران لجمهورها الداخلي أنها ما تزال تمسك بزمام العلاقة مع بغداد، ومن جهة أخرى تبعث برسالة للخارج مفادها أن أي هجوم على إيران سيجعل العراق ساحة رد عسكري مشترك. هذه المناورات تكرّس حقيقة أن الحدود الشرقية للعراق باتت امتدادًا طبيعيًا لخطوط الدفاع الإيرانية، في ظل ضعف القرار الوطني المستقل .
تصفية حسابات في السليمانية
أما في كردستان، فقد برزت أحداث السليمانية باعتقال لاهور جنكي، الرجل المعروف بمناوراته السياسية وبتقاربه مع الأميركيين في بعض الملفات، رغم انتمائه إلى الاتحاد الوطني الكردستاني المقرّب من إيران. توقيت اعتقاله يوحي إما بترتيب داخلي لإعادة توازن البيت الكردي بضوء أخضر إقليمي، أو برسالة إيرانية صارمة لكل من يفكر بالخروج عن الخط المرسوم .
إلى أين يتجه المشهد؟
حين تتزامن هذه الأحداث الثلاثة بهذا الشكل، يصبح من الصعب اعتبارها مجرد صدفة. المؤشرات تقول إن العراق يقف على أعتاب مرحلة جديدة قد تحمل أحد خيارين:
مواجهة إقليمية واسعة يكون العراق فيها ساحة جانبية بين واشنطن وطهران، وربما إسرائيل.
صفقة دولية كبرى يجري التحضير لها لإعادة توزيع النفوذ وترتيب البيت العراقي الداخلي بما يخدم مصالح القوى الكبرى.
العراق اليوم ليس في حالة سكون، بل في قلب مخاض سياسي وعسكري قد يفتح على زلزال يغيّر وجه المنطقة. الانسحاب الأميركي، والاستعراض الإيراني، والتغييرات في كردستان، كلها حلقات في سلسلة واحدة، عنوانها: العراق على مفترق طرق خطير بين الحرب والتسوية.
ما يحصل ليس أحداثًا منفصلة، بل هو جزء من إعادة رسم المشهد العراقي والإقليمي. العراق الآن أشبه بساحة تجميع أوراق.
أميركا تقلل المخاطر على قواتها.
إيران ترفع سقف الرسائل العسكرية.
في كردستان يتم قص أجنحة اللاعبين غير المرغوب بهم . انها
مؤشرات تدل ان الصراع الامريكي الايراني الحار قد بدأ.
وهنا تبرز المسؤولية الوطنية للشعب العراقي في أن يكون واعيًا لما يجري من ترتيبات دولية وإقليمية على أرضه، وألا يسمح بأن يتحول إلى مجرد ساحة لتصفية الحسابات. فالتاريخ يثبت أن صمت الشعوب أو تجاهلها للمؤشرات الخطيرة يجعلها أول من يدفع الثمن.
إن ما يحدث اليوم قد يكون بداية مواجهة كبرى أو تسوية شاملة، وفي الحالتين سيُفرض على العراقيين واقع جديد. لكن الفارق يكمن في وعي الشعب وقدرته على أن يفرض إرادته الوطنية في زمن تتصارع فيه الإرادات الدولية والإقليمية من حوله .

التعليقات معطلة.