التشخيص دون حلول.. معارضة لا تكتمل
العراق اليوم يقف على مفترق طرق، حيث تتزايد الأزمات وتتعمق الفجوة بين الشعب والسلطة، بينما تظل المعارضة الوطنية عاجزة عن تقديم البديل الحقيقي القادر على توحيد الناس وقلب المعادلة. لا شك أن البلاد تعيش أزمة شاملة، فالنظام السياسي القائم منذ 2003 أثبت فشله في تحقيق الاستقرار أو تلبية تطلعات المواطنين، فيما تستمر الأحزاب الحاكمة في التنافس على خدمة المصالح الإقليمية والدولية بدلًا من التركيز على المشروع الوطني العراقي.
في المقابل، هناك معارضة وطنية واعية، تمتلك القدرة على التشخيص الدقيق للمشاكل، لكنها لم تستطع حتى الآن أن تتحول إلى قوة تغيير حقيقية. فبينما يجيد المعارضون تسليط الضوء على الفساد والتبعية وانعدام السيادة، فإنهم لم ينجحوا في تقديم رؤية متكاملة توضح كيف يمكن الخروج من هذه الأزمة؟ وكيف يمكن بناء دولة مؤسسات حقيقية قادرة على استعادة القرار الوطني وتحقيق العدالة الاجتماعية؟
المشكلة الأساسية تكمن في غياب البدائل العملية، حيث تظل الطروحات المعارضة في إطار النقد دون تقديم حلول مقنعة أو خطط قابلة للتنفيذ. كما أن المعارضة ليست موحدة، بل مشتتة بين شخصيات مستقلة، وأحزاب صغيرة، وأصوات متناثرة، ما يجعلها غير قادرة على تشكيل كتلة سياسية قوية تنافس القوى الحاكمة بجدية. والأسوأ من ذلك، أن هذه المعارضة لم تنجح في استقطاب الشارع بشكل مستدام، إذ يظل خطابها نخبوياً أو بعيداً عن هموم المواطن اليومية.
من الفشل إلى النجاح.. كيف يتحقق التغيير؟
حتى تتحول المعارضة إلى قوة تغيير حقيقية، يجب أن تتجاوز أخطاءها وتبدأ في بناء مشروع وطني واضح المعالم. وأولى الخطوات نحو ذلك تتمثل في صياغة رؤية سياسية واقتصادية متكاملة، تضع حلولًا حقيقية لمشاكل العراق، بدءًا من استعادة السيادة، مرورًا بإصلاح الاقتصاد ومكافحة الفساد، وصولًا إلى بناء مؤسسات قوية تستند إلى المواطنة وليس الولاءات الحزبية أو الطائفية.
الخطوة الثانية هي توحيد صفوف المعارضة، إذ لا يمكن تحقيق التغيير بوجود قوى معارضة متفرقة لا تتفق على أسس واضحة. هناك حاجة إلى قيادة موحدة تفرض نفسها كبديل شرعي للنظام الحالي، وتتمتع بالمصداقية والكفاءة والقدرة على مخاطبة جميع فئات المجتمع.
أما الخطوة الثالثة فتتمثل في التواصل الفعال مع الشارع، حيث يجب على المعارضة أن تتحرر من النمط التقليدي في الخطاب، وتقدم نفسها بلغة يفهمها المواطن العادي، موضحة كيف سيستفيد هو شخصيًا من هذا التغيير. إن بناء قاعدة جماهيرية واسعة لا يتحقق فقط من خلال الانتقادات، بل عبر طرح مشاريع قابلة للتنفيذ تلامس احتياجات الناس اليومية.
وأخيرًا، فإن التغيير في العراق لا يمكن أن يحدث بمعزل عن التوازنات الدولية. على المعارضة أن تدرك أن نجاحها يتطلب تفاهمات إقليمية ودولية تضمن عدم عزلها أو محاصرتها، لكنها يجب أن تسعى إلى هذه التفاهمات من موقع القوة والاستقلالية، وليس من موقع التبعية.
هل نحن أمام فرصة أخيرة؟
العراق لا ينقصه الوعي، ولا تنقصه المعارضة، لكنه يفتقر إلى القيادة المنظمة والمشروع الوطني المتكامل. الشعب لم يعد يثق في الأحزاب الحاكمة، لكنه أيضًا لم يجد في المعارضة البديل المقنع الذي يجعله يلتف حوله. إن تأخر بناء هذا البديل قد يؤدي إلى استمرار حالة الفوضى، أو إلى ضياع الفرصة الأخيرة لإنقاذ العراق من براثن التدخلات الخارجية والفساد الداخلي .