العراق بين شد وجذب واشنطن وطهران.. ديمقراطية مرهونة بولاية الفقيه

12

 

 

يعيش العراق اليوم مرحلة حساسة من الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، حيث بات ساحة لتصفية الحسابات بين القوتين، وهو ما انعكس على المشهد السياسي الداخلي وجعل البلاد تدور في فلك الأجندات الخارجية بدلًا من الانطلاق نحو بناء دولة وطنية مستقلة. لقد كانت التجربة الديمقراطية العراقية، التي كان يُفترض أن تكون نموذجًا لإعادة بناء الدولة على أسس حديثة، رهينة التدخلات الإيرانية، التي وجدت في الانسحاب الأميركي المتراخي فرصة لترسيخ نفوذها عبر أحزاب الإسلام السياسي الشيعية والسنية التابعة لها.

حكومة شكلتها طهران.. والتجربة الديمقراطية تخرج عن مسارها
منذ عام 2003، لعبت إيران دورًا محوريًا في تشكيل الحكومات العراقية، لكن النفوذ الإيراني تعمّق أكثر مع الحكومات التي دعمتها إدارة بايدن والديمقراطيون، الذين اختاروا اتباع سياسة الاحتواء بدلاً من المواجهة. هذه السياسة سمحت لطهران بإحكام قبضتها على مفاصل الحكم عبر تحالفاتها مع أحزاب السلطة في بغداد، والتي لم تعد تمثل العراق وشعبه، بل أصبحت مجرد أذرع سياسية تخدم مشروع ولاية الفقيه على حساب المصلحة الوطنية العراقية.
هذا التحالف بين طهران وواشنطن الديمقراطية أدى إلى حرف الديمقراطية العراقية عن مسارها الصحيح، حيث تحوّلت الدولة إلى ساحة نفوذ للمليشيات والفصائل المسلحة المرتبطة بإيران، ما جعل من مفهوم “الدولة” مجرد غطاء لاستمرار حكم الجماعات التي تكرّس التبعية لإيران وتدفع العراق نحو مزيد من العزلة والتبعية الاقتصادية والأمنية.

رهن العراق بمصير ولاية الفقيه.. التحدي الأكبر
أخطر ما في هذا الواقع هو أن العراق لم يعد يُدار وفقًا لمصالحه الوطنية، بل أصبح رهينة لمصير نظام ولاية الفقيه الإيراني. كل القرارات السياسية الكبرى، سواء في تشكيل الحكومات أو تحديد السياسات الأمنية والاقتصادية، تتم وفقًا لحسابات إيران الاستراتيجية، التي ترى في العراق مجرد ساحة نفوذ تابعة لها وليس دولة ذات سيادة.
النتيجة الطبيعية لهذا الوضع هي أن العراق بات محاصرًا بعزلة دولية، وفقد القدرة على التحرك المستقل في محيطه الإقليمي والدولي، حيث يتم التعامل معه كامتداد للنظام الإيراني وليس كدولة مستقلة لها سيادتها ومصالحها الوطنية الخاصة.

إدارة ترامب الحالية.. نظرة مختلفة عن بايدن
على العكس من إدارة بايدن، التي تبنت سياسة التهدئة مع إيران على حساب مصالح العراق، تأتي إدارة ترامب الحالية بنظرة مغايرة تمامًا، إذ ترى أن إيران هي أصل المشكلة، وأن الحل لا يكون بمهادنتها، بل بتقليص نفوذها واحتواء أدواتها في العراق والمنطقة. هذا الاختلاف في الرؤية قد يكون نقطة تحول مهمة، خصوصًا إذا قررت واشنطن دعم مشروع وطني عراقي يعيد التوازن إلى العملية السياسية، ويحرر العراق من التبعية لإيران، ويؤسس لحكم يمثل الشعب العراقي بحق، لا وكلاء طهران.

التحدي الأكبر الذي يواجه العراق اليوم ليس مجرد صراع داخلي على السلطة، بل معركة سيادة وطنية في مواجهة مشروع إيراني يسعى لابتلاع الدولة العراقية بالكامل. ومع وجود إدارة أميركية جديدة تنظر إلى إيران كتهديد استراتيجي، قد تكون هناك فرصة أمام العراقيين لاستعادة قرارهم الوطني، لكن ذلك يتطلب إرادة سياسية حقيقية، ورفضًا شعبيًا واسعًا لاستمرار الوضع الراهن الذي جعل العراق تابعًا لطهران على حساب مصالحه الوطنية.

التعليقات معطلة.