في لحظة تحمل الكثير من الرمزية والتحدي، وقف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أمام جمع من العشائر العراقية ليقول كلمات صريحة لم تُسمع بهذا الوضوح منذ سنوات: “لا سلاح فوق سلاح الدولة”. تصريح يُعيد إلى الأذهان نقطة فاصلة في تاريخ العراق الحديث، ويضع البلاد أمام مفترق طرق حاسم بين دولة القانون وواقع الميليشيات المسلحة.
ما يجعل حديث السوداني اليوم أكثر تأثيراً هو السياق الذي جاء فيه، حيث تجتمع في بغداد أزمات داخلية متراكمة وضغوط دولية متزايدة، مع استحقاقات انتخابية قادمة تزيد من حدة التحديات. فقد حاول السوداني استثمار هذا التجمع العشائري لإيصال رسالة مفادها أن بناء الدولة يتطلب حصر السلاح بيد الدولة فقط، وهي رسالة تستهدف إعادة فرض الدولة على الساحة التي سيطرت عليها الميليشيات على مدى عقدين.
لكن الطريق إلى فرض سلطة الدولة ليس سهلاً، فهذه الميليشيات، التي تتحالف مع قوى إقليمية، باتت تشكل قوة موازية تحكم مناطق واسعة، وتملك نفوذاً سياسياً واقتصادياً يصعب تجاوزه. التصريح يفتح الباب أمام معركة قد تكون الأكبر في العراق منذ سقوط النظام السابق، مع كل ما تحمله من مخاطر انفجار أمني وسياسي، لكنها قد تكون أيضًا نقطة الانطلاق نحو دولة عراقية موحدة.
الأهمية الكبرى لهذا الموقف تكمن في تلاقي إرادة الحكومة مع دعم المرجعية الدينية وتأييد جزء واسع من الشارع العراقي، إلى جانب دعم غربي واضح يشدد على ضرورة تقوية الدولة وتقليل نفوذ الفصائل المسلحة.
في ظل هذه المعادلة، السؤال المطروح: هل سيستطيع السوداني تجاوز التحديات السياسية والعسكرية وفرض قراره؟ أم أن العراق سيغرق مجددًا في دوامة الصراعات والاقتتال الداخلي؟
الوقت كفيل بالإجابة، لكن ما هو مؤكد أن العراق اليوم على مفترق طرق، بين دولة تفرض القانون والنظام، أو واقع تسيطر عليه الميليشيات والاقتتال، وما بينهما من احتمالات يحدّدها قرار شجاعة وسياسة الحكومة.
الاستعدادات تبدو واضحة. السوداني يستثمر دعم المرجعية والشعب والقوى الدولية ليكسب معركة كان من المستحيل خوضها في أوقات سابقة. وهو يعلم جيدًا أن هذه الخطوة ليست مجرد قرار سياسي بل معركة وجود قد تجر البلاد إلى مواجهة مفتوحة، بين دولة تسعى لتوحيد مؤسساتها وبين ميليشيات ترى في السلاح مرآة لقوتها ونفوذها.