مقالات

{العراق في عين العاصفة}

حسن فليح /محلل سياسي

بعد سلسلة الاستهدافات الصاروخية والطائرات المسيّرة التي انطلقت من الأراضي العراقية تجاه إسرائيل، يبدو أن العراق قد دخل مرحلة جديدة من التعقيد السياسي والأمني، تُعيده إلى الواجهة كواحد من أهم نقاط التوتر في الشرق الأوسط. هذه الهجمات التي تزامنت مع تصاعد الصراع الإقليمي بين إيران وإسرائيل، تُثير تساؤلات حول دور العراق وموقفه في هذا النزاع، خاصة مع تداخل العديد من القوى الإقليمية والدولية التي تسعى لتحقيق مصالحها داخل الأراضي العراقية.

التحول في المشهد العراقي

على مدى العقدين الماضيين، كان العراق مركزًا لصراعات داخلية وخارجية بعد سقوط نظام صدام حسين، حيث شهد البلاد صعود نفوذ الفصائل المسلحة المدعومة من إيران. هذه الفصائل، التي أصبحت لاعبًا رئيسيًا في الساحة السياسية والأمنية، عززت علاقاتها مع طهران وأصبحت ذراعًا لإيران في تحقيق استراتيجياتها الإقليمية.

الهجمات الأخيرة على إسرائيل، والتي يُشتبه بأن مصدرها فصائل مرتبطة بإيران داخل العراق، تشير إلى تحول مهم في ديناميكية الصراع. فبينما كانت العراق في السنوات الماضية يحاول الوقوف على الحياد أو التركيز على معالجة الأزمات الداخلية، يجد نفسه الآن جزءًا من مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل.

التداعيات الإقليمية والدولية

إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة من العراق يثير مخاوف كبيرة على الصعيد الدولي، خاصة في ظل التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة وإيران، وكذلك بين إسرائيل والفصائل المدعومة من طهران. فإسرائيل، التي تتبع سياسة حازمة في مواجهة التهديدات الإقليمية، لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الاستهدافات. ومن غير المستبعد أن تكون هناك ردود عسكرية أو عمليات استخباراتية داخل العراق في محاولة لوقف تلك التهديدات.

على المستوى الإقليمي، تعقّد هذه الهجمات العلاقة بين العراق وجيرانه، خاصة الدول التي تسعى لتجنب التصعيد مع إسرائيل. دول الخليج ومصر والأردن، التي تنخرط في محاولات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل من خلال “اتفاقيات أبراهام”، تنظر بقلق إلى إمكانية جر العراق إلى صراع مفتوح يعيد ترتيب التحالفات الإقليمية ويُفشِل جهود التهدئة.

العراق بين المطرقة الإيرانية والسندان الدولي

إيران، التي تمتلك نفوذًا كبيرًا في العراق عبر الفصائل المسلحة والقيادات السياسية، تستغل الأراضي العراقية كجزء من استراتيجيتها لمواجهة إسرائيل والولايات المتحدة. ورغم أن الحكومة العراقية تعلن التزامها بالسيادة العراقية وتعارض استخدام أراضيها كمنصة للهجمات، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة في فرض سيطرتها الكاملة على هذه الفصائل.

من جهة أخرى، تضع هذه الهجمات العراق في مرمى الضغوط الدولية. الولايات المتحدة وحلفاؤها لن يقبلوا بتحول العراق إلى ساحة للصراع الإقليمي، وقد تدفع هذه التطورات واشنطن إلى إعادة التفكير في استراتيجيتها تجاه العراق، سواء عبر تعزيز تواجدها العسكري أو الضغط على الحكومة العراقية لاتخاذ خطوات أكثر حزمًا ضد الفصائل المسلحة.

هل العراق في عين العاصفة؟

الاستهدافات الأخيرة تجعل العراق في وضع شديد الحساسية. فالعراق، الذي يعاني من أزمات داخلية متفاقمة تشمل الفساد والبطالة والخدمات المتردية، يجد نفسه الآن متورطًا في صراع إقليمي قد يعقد محاولاته للنهوض وتحقيق الاستقرار. الحكومة العراقية تبدو أمام تحدٍ كبير، فهي مطالبة بالحفاظ على سيادتها ومنع استخدام أراضيها كمنصة للهجمات، وفي نفس الوقت مواجهة الضغوط الإيرانية التي تسعى لتعزيز نفوذها في المنطقة.

إضافة إلى ذلك، فإن العراق يخاطر بأن يصبح ساحة للمواجهة المباشرة بين إسرائيل والفصائل المدعومة من إيران، مما قد يؤدي إلى تصعيد خطير يهدد استقرار البلاد بالكامل. إسرائيل، التي تُدرك أهمية ضرب القواعد والبنية التحتية للفصائل المسلحة قبل أن تتعزز قدراتها، قد تلجأ إلى توجيه ضربات داخل العراق، ما يعيد إلى الأذهان الهجمات الجوية التي استهدفت قواعد الفصائل في السنوات الماضية.
يمكن القول إن العراق بات بالفعل في عين العاصفة. الصراع الإيراني-الإسرائيلي قد يتوسع بشكل يهدد الأمن القومي العراقي ويجره إلى مواجهات لا طائل منها. لذا، يبقى السؤال: هل ستتمكن الحكومة العراقية من السيطرة على الوضع الداخلي وفرض سيادتها؟ أم أن العراق سيصبح مجددًا ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية؟

admin