لينا مظلوم
أبرز معالم المشهد العربي عام 2017 ازدياد محاولات بسط النفوذ الإيراني على بعض الدول، ومحاولات ضم اليمن بكل ما يمثله من موقع استراتيجي إلى قائمة دول تتمتع داخلها غيران بقدر واسع من النفوذ كلبنان، والعراق، وسوريا.
في المقابل، مهما يبلغ حجم القمع الذي مارسته قوات الحرس الثوري الإيراني لإخماد الغضب الشعبي الذي انفجر خلال الأسبوع الأخير من العام الماضي، فإن هذا لا يعني حتما القضاء على جذور الاحتقان الداخلي، إذ يبدو البديل الوحيد أمام نظام الملالي لضمان استمرار سيطرته على مقاليد الحكم هو الاهتمام بالوضع الداخلي، ونقل الملف الاقتصادي الى رأس قائمة اهتمامات النظام، مما يتطلب إعادة تقييم ومراجعة لطبيعة الطموح الإيراني في المنطقة، تحديدا في حجم الإنفاق -الذي يصل الى المليارات- على الميليشيات التابعة لها في بعض البلاد العربية.
يعد بسط النفوذ الإيراني على العراق حلماً تاريخياً تحقق لها بسلاسة عقب الغزو الأمريكي للعراق، حيث سبق ذلك نمو التيارات التي رفعت شعار المعارضة لنظام صدام حسين. على سبيل المثال، لا الحصر، حزب الدعوة، والمجلس الأعلى الإسلامي، والعديد غيرهما، في أحضان إيران، وتم تدريبها وتجهيزها في معسكرات الحرس الثوري، أيضا وجود حيثية عراقية لهذه التيارات سَّهل وضع سقف محلي لها -حتى وإن كان ظاهريا- في حال تعديل قائمة أولويات النظام الإيراني، من المحتمل تحول ولاء هذه التيارات من مرجعية ولاية الفقيه في إيران لتتجه نحو طرف آخر هو المرجع الديني السيد علي السيستاني، خصوصا أن ولاء هذه التيارات إلى ولاية الفقيه في إيران مرتبط بالتمويل الإيراني لها.
بعد أيام من سقوط الموصل عام 2014، أطلق السيستاني فتوى دعا فيها الى “الجهاد الكفائي”، إثر ارتباك الجيش العراقي آنذاك أمام حرب العصابات الشرسة التي تمكن بعدها تنظيم “داعش” من بسط سيطرته على معظم مدن العراق.
لقد حث السيستاني الشباب “العراقي” على التطوع ضمن صفوف الجيش لقتال “داعش”، بعدها التقطت إيران الخيط فورا وبادرت الى التغلغل داخل عدد من الميليشيات التي تشكلت تحت لواء الحشد الشعبي في العراق، في تحوير صريح للفتوى أثار حالة غضب مكتوم عند السيستاني، المرجعية العليا في النجف.
بعد اكتمال تحرير مدن العراق، تجاهلت إيران تصريحات السيستاني التي دعا فيها الى حصر السلاح بيد الدولة فقط -في إشارة واضحة لسلاح الحشد الشعبي- كما طالبهم بعدم الانخراط في الشأن السياسي، في إشارة أخرى إلى انتخابات البرلمان ومجالس المحافظات في منتصف شهر مايو المقبل. إيران ذهبت أيضا في ردود أفعالها العلنية الى اعتبار الفتوى غير موجهة الى الحشد الشعبي، في محاولة للحفاظ على استقلالية هذه الميليشيات كأداة لبسط نفوذها السياسي على الحياة السياسية في العراق، عبر الفصائل التي تدين بالولاء الى خامنئي وروحاني، في تخطيط لخلق نسخة من الحرس الثوري الموازي للجيش العراقي.
المعروف أن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بالإضافة إلى البرلمان، أصدرا قرارا ينص على ضم فصائل الحشد الشعبي الى الجيش العراقي دون الكشف عن آليات هذا الدمج، علما بأن نحو 20 من هذه الفصائل -التي يكاد عددها يصل الى 60- تحيط نشاطها بسرية وغموض يبلغ حتى في الكشف عن أسماء قادتها أو أعداد أفرادها أو مصادر تسليحها وتمويلها، بل ذهب بعض قادتها إلى إحراج قرار العبادي علنا، معلنين أن ولاءهم الوحيد هو إلى مرجعية ولاية الفقيه في إيران وليس العراق، خصوصا أن الأولى تستأثر بالنصيب الأكبر في دفع رواتب وتكاليف هذه الفصائل.
طبيعة العلاقات العراقية – الإيرانية في انتظار تحولات، نتيجة الاحتقان الداخلي الذي شهدته إيران، إذ لا تعتبر حالة الكمون الحالي ضمان لعدم انفجار بركان الغضب مجددا. فعلى الصعيد الأمني، من المنتظر حدوث بعض التراجع الإيراني في دعم الميليشيات التي تعمل لصالحها في العراق، بالاضافة الى تقليص النفوذ العسكري، سواء في المستشارين، أو عدد المقاتلين الإيرانيين في صفوف بعض الفصائل التي اندست ضمن الحشد الشعبي.
لقد غذت إيران الانشقاقات بين صفوف الحشد خلال الأعوام الماضية، وهو ما يسهل عليها بسط سيطرتها عليه. سياسيا، أعلن عدد من هذه الفصائل الاتجاه الى العمل السياسي خلال جبهة تجمع قادة قدموا استقالاتهم من مناصبهم العسكرية-ظاهريا فقط- حتى يتسنى لهم الترشح في الانتخابات القادمة، ودخول البرلمان العراقي، ذلك بدعم إيراني يضمن لها اليد العليا في القرار السياسي العراقي.
من المؤكد أن الضغوط العديدة التي يتعرض لها العبادي على الصعيدين الداخلي والخارجي سوف تزداد وتيرتها مع اقتراب الانتخابات. صقور حزب الدعوة الذي ينتمي إليه العبادي ممن تتجه ولاءاتهم نحو إيران ينظرون بانزعاج الى محاولات الأخير الاقتراب من إصلاحات تشمل فتح ملفات فساد كبير يشكل عائقا أمام بناء عملية سياسية راسخة. من جهة أخرى، لا يمكن الفصل بين حالة الاحتقان الإيراني وإضعاف قدرتها على ضبط التفاعلات السياسية بين الكتل العراقية –تحديدا الموالية لها- نتيجة ما سيفرضه الغضب الشعبي في المرحلة القادمة على صانع القرار الإيراني من اهتمام بالشئون الداخلية.
على الصعيد الخارجي، قد يشكل تراجع ضغوط الجار الإقليمي بارقة أمل في ظهور ملامح جديدة للانتخابات العراقية، بين أنباء غير مؤكدة مع عدم اكتمال خريطة التحالفات حتى الآن، أهمها التضارب بين توقع حدوث تحالف بين العبادي ورجل الدين مقتدى الصدر-بكل ما لديه من قدرة على التحشيد الشعبي- مما يدعم المزيد من خطوات العبادي نحو ترسيخ علاقات العراق العربية، تحديدا مع مصر، والسعودية، والإمارات، مقابل صدور أنباء عن انضمام العبادي الى تحالف “فتح” الذي يضم المجلس الأعلى الإسلامي، وكتلة بدر، وعصائب أهل الحق، وهو ما يشكل انقساماً في حزب الدعوة الذي ينتمي إليه العبادي.