العراق.. هشاشة الدولة مِن هشاشة اقتصادها

1

العراق.. هشاشة الدولة مِن هشاشة اقتصادها

إياد العنبر

عندما تستمع إلى خطابات الحكومة والسياسيين بشأن إدارة موارد الدولة ونمط عمل مؤسساتها الماليّة وتقارنها مع آراء الأكاديميين والمتخصصين في الاقتصاد ستتأكّد مِن أنَّ طبيعة “النظام” الاقتصادي- وهنا أدرك حجمَ المغالطة عمّا أصفه بالنظام- يقارب وصفَ كائن مَسخ لا يمكن تحديد هويته ولا ملامحه العامة! فهو خليطٌ مِن نمط اقتصاد ريعيّ يعتمد مواردَ النفط، وتسيطر على حركة نشاطه الاقتصادي وإدارة الأموال مافيات وعصابات ترعاها قوى وأحزاب وزعامات سياسية تشارك بعضها أو توفر لها الحماية، أو كلا الأمرَين.

ولذلك، لم نعد نستغرب عندما نجد الفاسدين مسيطرين على حركة الأموال والنشاط الاقتصادي والاستثمارات، ما دامت الحماية السياسية متوفرة لهم. والحكومة تحوّلت مهمّتها إلى تسهيل صفقات وتعامل مافيات الفساد مع القوى السلطويّة، وليست حماية أموال الدولة أو ضمان عدم وصول يد السارقين إليها بسهولة. إذ في العراق فقط، تجد سرّاقَ المال العام الذي تنكشف سرقاتهم أمام الشعب ويعترفون بها أمام القضاء. ومن ثمَّ، تأتي الحكومةُ بدلاً مِن ملاحقتهم تعمد إلى الدخول في صفقات معهم، وتكون ضامنةً لإطلاق سراحهم في مقابل ادعاء استرجاع نسبة ضئيلة جدّاً مِن المبالغ المسروقة! 

لا تريد زعامات قوى السلطة الاعتراف بأنَّ العشرين عامًا الماضية مِن فترة حكمها، كانت نتيجتها أن يعاني الاقتصاد العراقي من انعدام الرؤية الاقتصادية، وغياب سياسة مالية حكيمة، وعدم وجود تصرفات انفاق رشيدة، وانعدام فاعلية وكفاءة السياسة النقدية. وبدلاً من الاعتراف بالفشل، نجد التبريرات القائمة على نظرية المؤامرة جاهزة في كلّ مناسبة أو أزمة اقتصادية. 

وفي الوقت الذي ينتظر العراقيون فيه حلولاً عمليّة لمشاكلهم الاقتصادية والارتقاء بمستوى معيشتهم، يصرّح أحدٌ من القيادات السياسية، الذي لم يتمكّن من تشكيل الحكومة مع شركائه والمتحالفين معه إلا بقبول أمريكي واضح لِلعيان متحدّثًا عن عدم وجود استقلال اقتصادي، ومعركتهم اليوم يجب أن تكون “معركة استقلال اقتصادي”.  فالأمريكان “يتحكّمون بنا، وارتفاع أسعار الدولار في هذه المرحلة هو جزء مِن المخطَط الأمريكي، وتحت أكذوبة حماية أموال العراق”! 

ولعلَّ الأخطرُ مِن هشاشة الاقتصاد العراقيّ وفشل الطبقة السياسية الحاكمة في إدارة موارد الدولة -وليس الفشل فحسب، بل العجز عن حماية أموال الدولة- هي التبريرات السطحيّة والساذجة لِكلّ الأزمات السياسية على وفق منظور المؤامرة! لا سيما عندما تكون صادرةً مِن القيادات السياسية التي تقف مع حكومة السوداني، إذ بدلاً مِن أن تكون قادرة على إقناع الجمهور بالحلول وبالخطوات المطلوبة لمواجهة التحديات، تتحوّل إلى محطّة لِلسخرية والاستهزاء! 

أزماتنا السياسية والاقتصادية تعود بالأساس إلى تفكير القوى السلطويّة الذي ينحصر بالفهم النمطيّ لِلسلطة في العراق بأنّها أداة لِتوزيع المغانم عظمت أم صغرت. لذلك نجدها تتجاهل تماماً التفكير بالمعالجات والحلول لِلأزمات الاقتصادية، وتنشغل بالصراعات على تقاسم المناصب العليا، وكيف يكون رئيس الحكومة ضامناً لتوزيع تلك المناصب عليها وتحويلها إلى مؤسسات تابعة لهذا الحزب أو ذاك. 

ومشكلة كلّ الحكومات تكمن في اعتقادها بأنَّ العلاقات الخارجية وإمكانية جلب الاستثمارات الأجنبية يمكن أن تحلّ الكثير من المشاكل الاقتصادية ومعالجة الخلل في البنى التحتية، مِن دون توفير البيئة الصحيّة القادرة على تنفيذ مشاريع الاستثمارات الخارجيّة بعيداً عن سطوة قوى الفساد المتغلغلة في جميع مؤسسات الدولة. إذ لا يمكن تجاهل القاعدة العامة التي تحكم الدولَ في علاقاتها الخارجية، والتي تقوم على وفق مبدأ: أنَّ السياسة الخارجية انعكاس وترجمة لِلسياسة الداخلية، فإنْ تمزّقت هذه، تمزّقت تلك.

على وفق هذه القاعدة، لا يمكن التعويل على تصريحات حكومة السوداني التي تتحدّث عن برنامج حكوميّ يضع في أولوياته مكافحة الفساد وتوفير فرص العمل، وتكرار خطابات توجّه الحكومة الواضح في مكافحة الفساد، ووضع الأموال في مكانها الصحيح في مشاريع واضحة وبإجراءات سليمة. إذ ستبقى مجرّد شعارات، إنْ لم تتحوّل إلى برامج عمل واضحة في موازنة 2023، والتي يمكن تبرير تأخرها بأنها دليلٌ واضحٌ على أنَّ هذه الحكومة لا تريد أن تغيّر في نمط إدارة موارد الدولة وتنظيم إنفاقها على وفق رؤية جديدة بعيدة عن تكرار وصفات الحكومات السابقة في إعداد موازنة برامج وليست بنودا. 

على الحكومة والقوى السياسية التي تقف خلفها أن تدرك أنَّ التصدي لمواجهة أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار يحتاج إلى استراتيجية واضحة وأدوات فاعلة، ستكون نتائجها أولى الخطوات الحقيقية لمحاربة الفساد بعيداً عن الوعود الفارغة والخطابات الشعبوية، وسيكون محطّة اختبار حقيقي لها في مواجهة تغوّل مافيات مزاد بيع العملة الذي وفّر غطاءً شرعيّاً لِكلّ عمليات تهريب الدولار إلى خارج العراق.

إنَّ العجز عن إدارة هذه الأزمة سيكون أوّل مسمار يُدَقّ في نعش هذه الحكومة التي سيتخلّى عنها حلفاؤُها في أوّل مواجهة مع الجمهور الذي يتنظر تحسين واقعه الخدميّ والمعاشي وليس إدخاله في محنة توفير لقمة العيش. 

وبما أنَّ الكثير مِن القوى السياسية التي شكلّت الحكومة تعود في خلفياتها الأيديولوجية إلى الإسلام السياسي، فهي لا تمتلك حلولاً لمواجهة الأزمات الاقتصادية التي تقف على الأبواب إلّا التوجّه بالدعاء إلى الله عزَّ وجل مِن أجل أن تبقى أسعار النفط مرتفعة، لضمان عدم الدخول في أزمتَين معقّدتَين: ارتفاع سعر صرف الدولار، وانخفاض سعر النفط.

إياد العنبر

إياد العنبر

التعليقات معطلة.