العراق ومؤتمر وارسو

1

 

فارس الخطاب

لم يشارك العراق في مؤتمر “السلام والأمن في الشرق الأوسط” في وارسو، فلم توجه إليه دعوة لحضوره من الإدارة الأميركية التي يبدو أنها أوصلت إلى بغداد تفهمها وضع الحكومة العراقية الخاص تجاه طهران، وأنها تعي حجم التغلغل الإيراني في دائرة صنع القرار العراقي، وتأثير ذلك على سير جلسات المؤتمر ونتائجه، وهو الذي يمثّل تحشيداً لأكثر من 60 دولة ضد سياسات النظام الإيراني التي تشكل تهديداً مباشراً ومتنامياً لأمن منطقة الشرق الأوسط واستقرارها. وربما اعتبر بعضهم هذا التحشيد الدولي نسخة عن ذلك الذي قادته واشنطن ولندن ضد نظام الرئيس العراقي صدام حسين، عقب غزوه الكويت في أغسطس/ آب 1990، مع الفارق الكبير الذي أظهر، علناً، ولأول مرة، حضوراً رسمياً لعشر دول عربية مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني، في قاعة المؤتمر الرئيسية من دون أي حرج. سجل العراق الذي خرج من دائرة الحرج بوجهتيه، الإيرانية والإسرائيلية، لنفسه موقفاً تاريخياً، حفظه من ذكر التاريخ السيئ لهذا المؤتمر، وخصوصاً في ما يتعلق بالتطبيع الرخيص مع الكيان الصهيوني، على اعتبار تطابق أهداف هذا الكيان والمجموعة العربية التي حضرت هذا المؤتمر، بحسب تغريدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، زعم فيها أن “هناك مصلحة مشتركة عربية – إسرائيلية لحرب ضد إيران”.
تحفظت حكومة عادل عبدالمهدي التي لم تكتمل بعد على نتائج المؤتمر، ولم تعلق عليها؛ ذاك أن معلومات رئيس الوزراء المستقاة من طهران تؤكّد عدم نجاح المؤتمر فعلياً في الحشد الدولي لمحاربة إيران، وأن ما جرى في أغسطس/ آب 1990 من تحشيدٍ تجاه العراق لا يمكن أن يتكرّر، لاختلاف المشهد ولفارق القدرات، وأيضاً بسبب طبيعة التحالفات الدولية
“حفظت حكومة عادل عبدالمهدي التي لم تكتمل بعد على نتائج المؤتمر، ولم تعلق عليها” للبلدين الجاريْن، حيث كان العراق حينها شبه معزولٍ دولياً، فيما لدى إيران حالياً علاقات ممتازة مع روسيا والصين وتركيا وقطر وغيرها. كما أن وجود إسرائيل رسمياً في قلب المنظومة المعادية لإيران، وبصحبة دول عربية، أعفى العراق أيضاً من الشراكة مع كيان يمثل، بالإضافة إلى إيران، التهديد الحقيقي والأخطر على الأمن القومي العربي والشرق أوسطي.
انقسم العراق شعبياً، وكما هي ظروفه منذ عام 2003، بشأن مؤتمر وارسو، قبل انعقاده وفي أثنائه وبعده؛ فالأغلبية الشعبية تؤيد أي عمل يوقف المد الإيراني وتوسعها الأيدولوجي والعسكري، مهما كان مصدر هذا العمل، بل يعلنونها، صراحة، أنهم لا يمانعون في أن تقوم الولايات المتحدة بذلك، مبرّرين ذلك بقولهم “بأسهم بينهم”. وقد يكونون محقّين في هذا التوجه العاطفي، ذاك أن الشعب العراقي ذاق الأمرّين من النظام الإيراني ومن الاحتلال الأميركي وتبعاته، ويعتبر هؤلاء الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2005 جزءاً رئيساً من نفوذهما على وطنهم. وهناك مجموعة من النخب السياسية ترى أن البلد، وبحكم موقعه الجغرافي، وحجم تأثره بالنفوذين، الإيراني والأميركي، كان يفترض به أن يشارك في مؤتمر وارسو، لبيان رأيه، ورأيه الأقرب إلى الواقع والأصدق لمجريات الأمور، بالنسبة للادعاءات الأميركية – الإسرائيلية وغيرها تجاه طهران. ومن وجهة نظر محايدة لبعض المحللين، فإن هذا الرأي تغيب عنه البصيرة والسداد في التفكير الاستراتيجي، ذاك أن الإدارة
العراقية مسلوبة الإرادة السياسية، وفاقدة القدرة على إحداث التغييرات المطلوبة على الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة، وبالتالي، فإن فاقد الشيء لا يعطيه.
خرج العراق من دائرة الضوء منذ فقد سيادته الفعلية، وعليه، فإن دولاً كثيرة تعلم جيداً أن لا قدرة لدى حكومات العراق على الإيفاء بتعهداتها أو التزاماتها تجاه قضايا تخص الأمن القومي العراقي، لا سيما في ما يتعلق بالعلاقة مع إيران. وقد تم اجتثاث العراق من الخريطة الدولية، بقرار صهيوني – إيراني، ومن بعض الدول العربية أيضاً. ولذلك، كل شيء تحت هذه الخيمة
“الأغلبية الشعبية تؤيد أي عمل يوقف المد الإيراني، ولا تمانع أن تقوم أميركا بذلك، بقولهم “بأسهم بينهم”” المغلقة التي ضرِبت عليه منذ 16 عاماً يمثل واحداً من أوجه الإيغال في التعتيم والتجهيل. ومن ذلك، لا غرابة أن نرى تجاهل الإعلام العراقي بشكل كامل مؤتمر وارسو، وغياب الموضوع أيضاً عن تعليقات الخارجية العراقية وأعضاء مجلس النواب.
ماذا لو حضر العراق بصيغته (الوطنية) مؤتمر وارسو، وشرح للحاضرين حجم الضرر الذي سببته سياسة واشنطن تجاهه؟ وكيف سلمت الولايات المتحدة هذا البلد على طبقٍ من ذهب لطهران، ومنظومتها العقائدية والسياسية والأمنية؟ وإلى أي مدى يمكن لحربٍ أن تقوم على إيران، من دون مساهمة العراق المستقل القوي الموحد؟ ماذا لو حضر العراق المتمرس في معرفة السلوك الإيراني تاريخياً، ليقول للعالم إن واشنطن ولندن، وبعض دول الجوار العربي، أخرجته من دائرة النفوذ والصراع وحولته دولة هشة، تصول فيها وتجول كل الدول، بحجة محاربة الإرهاب، بالإضافة إلى التنظيمات الإرهابية فعلاً بشقيها، السنيّ والشيعي؟
أخيراً، كيف يمكن لبلدٍ نصف قواته المسلحة يأتمر بإمرة دولة الولي الفقيه، ويستورد منها حاجاته الأساسية، كالكهرباء والسلع الغذائية والأدوات الأحتياطية للسيارات، كما تبنى منظومته السياسية والأمنية وفق نهج هذه الدولة وهواها، كيف يمكن له أن يكون جزءاً من منظومة الأمن الاستراتيجي للمنطقة، حضر مؤتمر وارسو أو سواه أم لم يحضر؟

التعليقات معطلة.