سعد ناجي جواد
لم يخف الكثيرون منذ الإعلان عن نية عقد مؤتمر للمانحين لمساعدة العراق في اعادة إعمار ما دمره احتلال عصابات داعش الاجرامية امتعاضهم من هذا الامر لأسباب ثلاث: الاول يتعلق بالغيرة والكرامة الوطنية، حيث أشعرهم الخبر وكأن العراقيين يستجدون الآخرين من اجل بناء وطنهم، وهذا مالم يتعود عليه العراقيون المعروفون بعزة النفس. اما السبب الثاني فان موارد العراق الكبيرة، والتي تشكل أضعاف أضعاف موارد دول كثيرة استطاعت ان توفر حياة كريمة لابنائها، كافية، لتغطية هذه التكاليف، طبعا اذا ما تم التعامل معها بصورة صحيحة ومدروسة، وتم محاربة الفساد المستشري في البلاد منذ الغزو الامريكي في عام ٢٠٠٣. اما السبب الثالث فان هؤلاء الممتعظون ، والكاتب منهم، يؤمنون بانه في ظل الفساد المستشري و غير المسبوق الذي يخيم على العراق، فان كل منحة او دعم او قرض سيكون مصيره جيوب الفاسدين و حساباتهم خارج العراق. وما زاد في قناعتهم هذه امران: الاول عدم اتخاذ اي اجراء رادع ضد اي فاسد ، وما أكثرهم، منذ الاحتلال ولحد اليوم. والثاني هو قائمة الأسماء التي صدرت والتي ضمت اسماء الوفد الرسمي الذي سيذهب للمشاركة في الموتمر. لقد ضمت القائمة ١٤٣ موفدا رسميا للمشاركة في هذا الموتمر، (باستثناء رئيس الوزراء ومن سيذهب معه في اللحظة الاخيرة). وبغض النظر عن كلفة إرسال هذا العدد الكبير جدا، من تذاكر سفر وإقامة في فنادق خمسة نجوم و مخصصات شخصية لكل موفد الخ، مما يشكل عبئا مضافا على ميزانية الدولة التي تعاني أساسا من عجز كبير، فان الوفد ضم اشخاصا أضيفوا (للترويح) عنهم فقط لا غير، وبانهم لا علاقة لهم بما سيتم مناقشته في هذا الموتمر. وهذا يمكن ان يستدل عليه بسهولة من خلال أسمائهم ومناصبهم او وظائفهم، من الجدول الذي صدر بأسماء أعضاء الوفد. أضف الى ذلك فان عددا غير قليل منهم عليهم شبهات بل واتهامات بالفساد وسوء الادارة. ولا ادري كيف سيستطيع السيد رئيس الوزراء الذي سيرأس الوفد ، ان يقدمهم الى الدول المشاركة في الموتمر، والتي وقبل ان تذهب للمؤتمر صرح عدد غير قليل منها ان اهم عقبة تقف امام مساهمتهم في اعادة إعمار العراق هو الفساد المستشري، بحيث ان دولة مثل اليابان صرحت بأنها ستحول مساهمتها الى الامم المتحدة وليس لحكومة العراق!!!! هل يوجد إهانة وطنية اكبر و أوضح من ذلك؟ ان هذا الوفد الكبير والذي لا توجد فائدة من اكثر المشاركين فيه، ذكرني بنكتة قديمة قيلت عن احدى الدول العربية بعد استقلالها حيث حرص المالك لزمام الأمور فيها على شراء أحدث الأسلحة لجيشها من احدى الدول الغربية. ومن ضمن ما استورده مدفعا ثقيلا، وبعد ان وصلت الأسلحة اصر على دعوة وزير دفاع الدولة التي استورد منها الأسلحة لحضور عرضا عسكريا للاسلحة الجديدة. وفِي هذا الاستعراض مر المدفع الثقيل محمولا على شاحنة كبيرة ويحيط به اكثر من مائة جندي. منظر اثار استغراب وزير الدفاع الأجنبي الذي قال لمالك زمام الامر ان هذا المدفع مصمم على ان يُشٓغِلهُ اثنان من الجنود فقط، فأجابه الرجل وعندنا ايضاً يشغله جنديان فقط ، اما الباقين فمهمتهم التكبير والتهليل عند إطلاق كل قذيفة.
المضحك المبكي في الامر ان الولايات المتحدة الامريكية، الدولة التي دمرت العراق بعد ان احتلته وتسببت في كل الكوارث التي شهدتها و تشهدها المدن العراقية منذ ١٥ عاما، أعلنت، وعلى لسان رئيسها، بأنها سوف لن تساهم في اية تكاليف مادية لاعمار العراق. ولم يصدر عن المسؤولين العراقيين اي استهجان لهذا التصريح، مثلما لم يصدر عنهم اي استهجان لتصريحاته السابقة التي تحدث فيها عن لا وجود لدولة اسمها العراق وان هدف الولايات المتحدة الوحيد يجب ان يكون هو ان تضع يدها على الثروة النفطية العراقية.
اخيراً وليس آخراً فان الولايات المتحدة، والدول الأوربية معها، ساهموا ويساهمون في حماية الفاسدين من (العراقيين) حملة الجنسية المزدوجة ،والذين كانت غالبيتهم العظمى يعيشون قبل الاحتلال على المعونة التي تقدم لهم من الدول التي كانوا يعيشون فيها، ثم في ظرف أشهر قليلة من المشاركة في حكومات ما بعد الاحتلال أصبحوا يمتلكون عقارات بملايين الدولارات، ولم يُسأل أيا منهم عن مصدر الأموال التي اشتروا بها هذه الاملاك او التي ملأوا فيها حساباتهم المصرفية.
لقد اثبت العراقيون في تجارب كثيرة سابقة بأنهم الاقدر والأكفأ على بناء بلدهم، وأنهم استطاعوا في ظل حصار ظالم ولا انساني ان يعيدوا بناء كل ما دمره عدوان ١٩٩١، وخلال أشهر قليلة، وبانهم ليسوا بحاجة الى من يعلمهم كيف يعيدون بناء وطنهم، او الى من يسرق مواردهم بدعوى مشاريع الإعمار الكاذبة والوهمية.