العرب وصراع الشياطين من حولهم

7

 

في قلب الجغرافيا التي تفيض بالنفط والرموز المقدسة، وعلى أرضٍ شهدت ولادة الحضارات وتعدد الرسالات، يقف العرب اليوم وسط نيران صراع لا يصنعونه، لكنهم يدفعون أثمانه. إنه صراع “الشياطين من حولهم” قوى دولية وإقليمية تتنازع على الأرض والنفوذ والثروات، فيما يبقى العرب حائرين بين الولاءات، وممزقين بين مشاريع الآخرين.
الصراع ليس عربيًا.. لكن العرب وقوده
منذ نهاية الحرب الباردة، تحولت المنطقة العربية إلى مسرح دائم للتجارب والصراعات:
غزوات أمريكية بحجج الديمقراطية ومكافحة الإرهاب
تمدد إيراني تحت غطاء المقاومة والمذهب
هيمنة تركية ببزّة عثمانية محدثة
وعودة روسية لاستثمار الفراغ الأمريكي
كل قوة من هذه القوى تملك سردية “الحق”، لكنها جميعًا تتعامل مع العرب كأوراق تفاوض، لا كشعوب ذات سيادة أو إرادة. يتحركون وفق أجندات مرسومة في العواصم الكبرى، لا في العواصم العربية.
الشيطان الأمريكي: الهيمنة باسم “الشرعية”
منذ 2003، تعاملت واشنطن مع النظام العربي كمجرد أدوات تنفذ ترتيباتها الإقليمية. دعمت أنظمة حينًا، وأسقطتها حين تعارضت مع مصالحها. رفعت شعارات “الحرية”، لكنها سلّمت العراق لإيران، وسوريا للفوضى، واليمن للميليشيات، وغضّت الطرف عن الكارثة في ليبيا.
الشيطان الإيراني: مشروع الفوضى المقنّعة
باسم “محور المقاومة”، تمدد النفوذ الإيراني ليحوّل بغداد، ودمشق، وصنعاء، وبيروت إلى ساحات خلفية لقرارات مرشد طهران. في كل بلدٍ عربي دخلته إيران، ضعفت الدولة، وتضخمت الميليشيات، وتراجعت الهوية الوطنية لصالح الولاء العقائدي.
الشيطان الإسرائيلي: الحرب من أجل الوجود
إسرائيل، منذ 7 أكتوبر وحتى اليوم، تخوض صراعًا مفتوحًا مع إيران وأذرعها، لكنها تفعل ذلك ضمن إطار تحالفات واضحة. إسرائيل تقاتل لأنها تشعر بالتهديد الوجودي، بينما الدول العربية تُدفع دفعًا إلى ساحات لا قرار لها فيها. كل جولة حرب تنتهي بحسابات لا تأخذ في الاعتبار الدم العربي المسفوك أو الأرض العربية المدمرة.
الشياطين الصغرى: أدوات التنفيذ
المرتزقة، والميليشيات، والفصائل العابرة للحدود، أصبحت السلاح المُفضل لشياطين المنطقة. أدوات من داخل الجسد العربي تُستَخدم لذبحه، لا لتحريره. تحوّل أبناء الأمة إلى أدوات قتلٍ بأسماء المقاومة أو الخلافة أو المذهب، والنتيجة واحدة: مزيد من الانهيار.
وأين العرب من كل هذا؟
الأنظمة العربية، تتعامل بردة الفعل لا بالفعل، بالاسترضاء لا بالمبادرة، وبالسياسات الفردية لا بالمشروع الجمعي. الجامعة العربية غائبة، ومشاريع التكامل العربي مجرد شعارات، والمجتمع المدني العربي مخنوق بين القمع والركود.
هل هناك مخرج؟
نعم، إذا عاد العرب لفهم جوهر الصراع:
أنه ليس صراعًا بين أطياف دينية أو قوميات
بل صراع على القرار والسيادة
على الموارد والاستقلال
على الحضور لا الغياب
نحتاج إلى قيادة تعي أن الزمن لا يرحم المترددين، وأن الصمت في وجه “الشياطين” هو استدعاء مباشر للدمار.

العرب ليسوا ضحية قدر، بل ضحية غياب المشروع. وما لم يتحول هذا الغياب إلى صحوة تاريخية، فإن صراع الشياطين من حولهم سيحوّل أوطانهم إلى رماد.. ووجودهم إلى مجرد بند في مذكرات تفاهم الدول الكبرى .

التعليقات معطلة.