لقد كانت العشائر العراقية ركيزة أساسية في استقرار المجتمع، حيث شكل شيوخها مرجعيات تحكم بالعدل وتحل النزاعات بطرق سلمية. كانت الفريضة، وهو الحكم العشائري الملزم، بمثابة سلطة اجتماعية تنهي الخصومات قبل أن تتطور إلى صراعات دموية. ولكن اليوم، تبدلت الأدوار، وتحولت العشائر من عنصر تهدئة إلى طرف رئيسي في نزاعات مسلحة تمتد لأسابيع، وتخلف قتلى وجرحى، في ظل غياب الدولة وانتشار السلاح واندماج بعض أفراد العشائر في الأحزاب والفصائل المسلحة.
العشائر من الحكم إلى الفوضى
في الماضي، كانت العشائر تمتلك قوة اجتماعية منظمة تحكمها أعراف وتقاليد متفق عليها، وكان لشيوخها مكانة خاصة تحظى بالاحترام. أما اليوم، فقد تبدلت هذه الصورة، وأصبح الولاء الحزبي والفصائلي يفوق الولاء العشائري، مما أدى إلى:
انهيار منظومة الوساطة العشائرية: لم يعد لكبار العشائر الدور الحاسم في حل النزاعات، حيث فقدوا تأثيرهم أمام نفوذ الأحزاب والفصائل.
تصاعد العنف المسلح: انتشار الأسلحة المتوسطة والثقيلة داخل العشائر جعل أي خلاف بسيط يتطور إلى معركة قد تستمر أياماً، مخلفة خسائر بشرية كبيرة.
تفكك الهوية العشائرية التقليدية: حيث لم تعد القيم القديمة مثل التسامح وحل النزاعات سلمياً حاضرة كما كانت من قبل.
الأسباب وراء تفاقم الأزمة
ضعف الدولة وغياب الردع: انعدام سلطة الدولة سمح للعشائر بالتسلح والتصرف بحرية خارج إطار القانون.
انتشار الأحزاب والفصائل المسلحة داخل العشائر: ما جعل الولاءات متضاربة وأضعف سلطة الشيوخ التقليديين.
غياب القوانين الرادعة: حيث لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من فرض سيطرة حقيقية تمنع النزاعات المسلحة.
التدهور الاقتصادي والاجتماعي: مما زاد من حدة التوترات داخل المجتمع، وأدى إلى ازدياد النزاعات على الموارد والنفوذ.
الحلول الممكنة
إعادة تفعيل دور شيوخ العشائر التقليديين: من خلال دعمهم اجتماعياً ومنحهم دوراً في حل النزاعات بعيداً عن التدخلات السياسية والحزبية.
نزع السلاح غير الشرعي: عبر حملات حكومية جادة تعيد احتكار الدولة للقوة العسكرية.
فرض سلطة القانون: بتطبيق قوانين صارمة تمنع النزاعات العشائرية المسلحة وتعاقب المتورطين فيها.
إصلاح النظام العشائري: من خلال إعادة إحياء القيم التقليدية القائمة على العدل والتسامح بدلاً من القوة والعنف.
تحقيق التنمية الاقتصادية: لأن الفقر والبطالة من العوامل التي تغذي النزاعات، مما يتطلب تحسين الأوضاع المعيشية للحد من التوترات.
ما يحدث اليوم في جنوب العراق من نزاعات عشائرية دامية هو نتيجة مباشرة لغياب الدولة وانتشار الفوضى والسلاح، مما أدى إلى فقدان القيم العشائرية التي كانت ضامناً للاستقرار. إن إعادة هيكلة العلاقة بين العشائر والدولة، عبر فرض القانون ودعم السلم المجتمعي، هو الحل الوحيد لإنهاء هذه الظاهرة التي تهدد مستقبل العراق وأمن مجتمعه.