العفو العام في العراق… قانون يُشرّع الفساد ويؤجّل الحرية

2

 

لم يعد العفو العام الصادر عن مجلس النواب سوى كذبة مشروعة، يُسَوّق للناس كنافذة أمل، بينما يُدار خلف الكواليس كأحد أكثر أدوات الفساد صلافةً وبشاعة. فكل مادة في هذا القانون تُفكّك على يد شبكة مترابطة من الموظفين المرتشين، والسياسيين الفاسدين، والمتحاصصين الذين لا يرون في السجناء سوى أرقام في دفاتر الربح والابتزاز.
المماطلة المدروسة… لا أحد يخرج مجاناً
تبدأ رحلة العذاب بعد التصويت على العفو. فالنيّة ليست إطلاق سراح جماعي، بل إطلاق مشروط بالمال، بالواسطة، وبمرور مؤلم عبر دهاليز البيروقراطية المتعمدة. هناك تعليمات شفوية لا تُكتب لكنها تنفذ بدقة: لا تسرّعوا، لا تطلقوا دفعة واحدة، أبقوا العدد تحت السيطرة. ولماذا؟ لأن السجين في العراق ليس مجرد نزيل، بل مشروع استثمار حزبي طويل الأمد.
“نزيل” أم سلعة؟
في كل يوم، تُخصص الحكومة 9600 دينار لإطعام كل سجين. لكن الواقع أكثر قذارة: ما يصل فعلياً إلى معدة السجين لا تتعدى قيمته 2250 ديناراً، فيما تُبتلع البقية في جيوب القائمين على نظام “الإصلاح”. هذه الأرقام كافية لتفهم لماذا تتمسك الأحزاب بعدد السجناء داخل الزنازين؛ فكل رأس هو عائد يومي مضمون في سوق سياسية تخلت عن ضميرها منذ سنوات.
السجون العراقية… حاضنة للفساد وسوق للرذيلة
السجون لم تعد مراكز إصلاح، بل تحولت إلى مختبر للانحلال والتجارة والانتهاك. مخدرات تباع علناً، استغلال جنسي للشباب، وبيع للسجناء تحت أعين “الرقابة” الصامتة. من يتحدث عن العفو كمنجز، عليه أولاً أن ينزل ميدانياً ليرى أن السجن في العراق ليس مؤسسة تأهيل، بل سوق نخاسة حديثة تُدار بمباركة الدولة.
البرلمان… شريك لا مشرّع
لا تكتفِ الأحزاب بإدارة الفساد من الخارج، بل تدخل مباشرة في صياغة بنود العفو داخل قبة البرلمان. كل حرف يُمرر بعد أن يُقاس بمسطرة الفائدة: من سيخرج؟ كم سيكلفنا؟ هل سنخسر من عائدات الإطعام؟ من يعوّضنا عن الفراغ؟ وهكذا يتحول قانون العفو إلى نسخة مشوهة، تولد ميتة، وتحيا فقط بإرادة الرشوة.
مقترح لا يحبونه… لأنه يفضحهم
إليك الاقتراح الذي يجعل الفاسدين يرتجفون: بدلاً من إعطاء 9600 دينار يومياً لمقاولين وهميين، يتم تحويل المبلغ كاملاً إلى حساب السجين داخل الحانوت، ليشتري طعامه ويطبخه بنفسه. بهذا الإجراء، تتوقف المهزلة، وتُكسر منظومة النهب، ويتم احترام كرامة النزيل، وتُرفع المعاناة عن العوائل التي تُستنزف مالياً لتوفير أساسيات الحياة لمن تحب خلف القضبان.
لا عفو بلا كرامة
العفو العام، كما صيغ ونُفذ، ليس إصلاحاً. بل هو صفقة خبيثة تُدار بنظام محاصصة جشع، يُديم معاناة الأبرياء، ويحمي أرباح الفاسدين. إن لم تبدأ الدولة من هنا، من بوابة السجون، وتضرب منظومة الاستغلال بيد من حديد، فكل حديث عن العدالة والإصلاح ليس سوى ضحك على الذقون.

التعليقات معطلة.